الأخبار العالمية

بيرقدار وشاهد: التنافس التركي-الإيراني على ساحة الحرب الأوكرانية ودلالاته الإستراتيجية

مكنت مسيرات بيرقدار التركية القوات الأوكرانية من تنفيذ هجمات فعالة ضد الجيش الروسي منذ بداية الحرب، حيث اكتسبت هذه الطائرات المسيرة شهرة واسعة وسُوِّقت كرمز للمقاومة الأوكرانية. وبالمقابل، تعتمد روسيا بشكل متزايد على مسيّرات شاهد الإيرانية، إذ تمكنت خلال ليلة واحدة في أغسطس/آب الماضي من قصف مدن غرب أوكرانيا باستخدام 546 مسيّرة، كما قامت ببناء مطارات مخصصة لإطلاق هذه الطائرات بكميات كبيرة، مسببة أضرارًا كبيرة للقوات والبنى التحتية الأوكرانية.

ويطرح هذا المشهد أسئلة مهمة حول الدور الذي يلعبه السلاح التركي والإيراني في الصراع الروسي-الغربي، وما الفوائد التي تجنيها تركيا وإيران من مشاركتهما في هذا الصراع، فضلاً عن خلفيات التنافس بين أنقرة وطهران على ساحات الحرب الإقليمية والعالمية.

بيرقدار توقف الزحف الروسي

بحسب تقرير نشره موقع “ذا زون وور” العالمي المتخصص بشؤون الحروب، أعده الباحث هوارد ألتمان مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، فإن طائرات بيرقدار تي بي 2 المسيرة ثنائية الذيل متوسطة الارتفاع، القادرة على إسقاط أسلحة صغيرة موجهة، عادت لتنفيذ هجمات فعالة ضد القوات الروسية بعد فترة انقطاع.

أحدث هذه الهجمات استهدفت قاربًا روسيًا على ساحل البحر الأسود، حيث أعلنت البحرية الأوكرانية على “تليغرام” أنها “دمرت قاربا آخر عالي السرعة تابعًا لأسطول البحر الأسود الروسي، كان يحاول نقل وحدة من القوات المحمولة جويًا إلى تيندريفسكا”. وبينما لم تُكشف تفاصيل الضربة، أظهر الفيديو المنشور الإشارات المميزة لطائرة بيرقدار.

كما نشرت مديرية استخبارات الدفاع الأوكرانية مقطع فيديو لهجوم شنته طائرة تي بي2 على قارب روسي آخر قرب ميناء زاليزني في منطقة خيرسون، فيما عرضت البحرية الأوكرانية في يونيو/حزيران هجومًا آخر لطائرة بيرقدار على سفينة إنزال روسية في الساحل الغربي للمدينة.

وقد شكّلت طائرات بيرقدار سلاحًا فعالًا للغاية في الأيام الأولى من الحرب، حيث لعبت دورًا محوريًا في إيقاف الزحف الروسي نحو كييف، إضافة إلى المساهمة في استعادة جزيرة الثعبان في غرب البحر الأسود عبر مهاجمة أهداف على النتوء الصخري والسفن المحيطة به.

نجاح بيرقدار منح الأوكرانيين بصيص أمل نادر، وألهم الفنان الأوكراني تاراس بوروفوك لإطلاق أغنية جذبت حماس المواطنين وانتشرت بسرعة عبر الإنترنت.

وكانت أوكرانيا قد بدأت استخدام المسيرات التركية قبل الغزو الروسي الشامل، حيث استُخدمت أول مرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021 لتدمير منصة مدفعية تابعة للقوات الانفصالية المدعومة من روسيا في منطقة دونباس. ومع مرور الوقت، تكيفت روسيا مع تهديد تي بي2، مما دفع الجيش الأوكراني لتقييد استخدامها في مهام الاستطلاع وتحديد الأهداف، مع الحفاظ على ضربات محدودة في المناطق ضعيفة الحماية.

غير أن تقارير حديثة أشارت إلى عودة هجمات بيرقدار على القوات الروسية، ما يعكس قدرة القوات الأوكرانية على إضعاف الدفاعات الجوية الروسية وتمكين المسيرات من أداء مهام هجومية أكثر فعالية. ومن العوامل التي تدعم استمرار استخدام تي بي2 إنتاجها محليًا في أوكرانيا، رغم تعرض منشأة التصنيع قرب كييف لهجمات روسية متعددة خلال الأشهر الستة الماضية.

شاهد ترعب الأوكرانيين

تشير تحليلات المركز الأميركي للدراسات الإستراتيجية والدولية إلى أن معدل استخدام مسيرات شاهد من قبل روسيا ارتفع من 200 مسيّرة أسبوعيًا عام 2024، إلى أكثر من ألف مسيّرة أسبوعيًا في 2025.

وفق تحقيق الصحفي غيوم موريس لشبكة فرانس24، تمثل هذه المسيرات، التي يصل مداها إلى 2500 كيلومتر، تهديدًا رئيسيًا للأوكرانيين. ورغم سرعتها البطيئة، فإن سهولة تشغيلها وإطلاقها، سواء من منصات أرضية أو مركبات عادية، سمحت لروسيا باستخدامها بكثافة منخفضة التكلفة، إذ تتراوح تكلفة الوحدة بين 20 و50 ألف دولار، مقارنة بملايين الدولارات لصنع صواريخ كروز.

تستخدم روسيا استراتيجية “الإغراق” عبر إطلاق أعداد كبيرة من مسيرات شاهد لإرهاق الدفاعات الصاروخية الأوكرانية وتشتيتها، بالإضافة إلى رسم خريطة الشبكات الدفاعية لتسهيل استهدافها لاحقًا. وقد تم رصد بناء 11 قاعدة روسية لإطلاق هذه المسيرات، أبرزها قاعدة تسيمبولوفا قرب مدينة أوريول، التي تحتوي على 8 منصات إطلاق أرضية وقادرة على إطلاق أكثر من 100 مسيّرة خلال ليلة واحدة.

تركيا وعملية الموازنة الصعبة

نجاح طائرات بيرقدار يمنح تركيا مصداقية تكنولوجية كبيرة وفرصًا اقتصادية وسياسية جديدة، لكنه لا يشير بالضرورة إلى تحالف عسكري مباشر مع أوكرانيا.

بحسب الباحثة ساتشا ميكايليس، يسعى أنقرة لتحقيق توازن دقيق بين دعم أوكرانيا ورضا حلف الناتو من جهة، والحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع روسيا من جهة أخرى، إذ تمثل الأخيرة ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا. كما يسهم التعاون التركي-الأوكراني في مواجهة الهيمنة الروسية المحتملة على البحر الأسود، وهو ما يعكس اهتمام تركيا بالحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في مضيقي البوسفور والدردنيل وحركة صادرات الهيدروكربونات والمنتجات الزراعية.

إيران والتحالف مع روسيا

تاريخيًا، يرتبط الدعم الإيراني لروسيا بتقارب أيديولوجي واضح، إذ تسعى طهران لضمان حليف قوي وتجنب العزلة الدولية، مستغلة الصراع في أوكرانيا لتعزيز نفوذها العسكري وتقنيًا، بما في ذلك في برامجها الفضائية والصاروخية.

ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن السردية الإعلامية حول تحالف روسي-إيراني مبالغ فيها، وأن روسيا غالبًا ما تبقي دعمها لطهران في إطار رمزي. إلا أن الحرب الأوكرانية عززت العلاقات العسكرية بين موسكو وطهران، بما في ذلك نقل خبرات تقنية وتزويد إيران بمعدات عسكرية.

تركيا وإيران: علاقات معقدة

التنافس بين تركيا وإيران على مسرح الحرب الأوكرانية يعكس ديناميكيات معقدة في العلاقات الثنائية. رغم غياب صراع مباشر، يستمر التنافس نتيجة خلفيات جيوسياسية واستراتيجية مختلفة، مع التركيز على مسرح العراق وسوريا الذي يمثل نقطة التقاء للأولويات والتحديات الأمنية لكل منهما.

بحسب الخبراء، فإن التنافس التركي-الإيراني يستند إلى مزيج من التعاون والخصومة التاريخية، ويعكس قدرة كل دولة على حماية مصالحها الإقليمية في ظل صراعات دولية متشابكة.

زر الذهاب إلى الأعلى