بول ديفيس يوجّه انتقادات لمؤسسي شركات التكنولوجيا المالية: الحماسة لا تكفي لإقناع البنوك

في مقال تحليلي نُشر عبر مجلة فوربس، وجّه الخبير المالي بول ديفيس، مؤسس شركة Bank Slate وعضو مجلس فوربس المالي، انتقادات صريحة لأداء مؤسسي شركات التكنولوجيا المالية (Fintech) خلال تقديم عروضهم للبنوك، محذرًا من أن كثيرًا من هذه العروض تفشل لأنها تركّز على “الإبهار والرؤية الطموحة” أكثر من ارتباطها باحتياجات البنوك الفعلية.
ويستند ديفيس في تحليله إلى خبرته الطويلة في العمل الاستشاري مع مؤسسات مصرفية، وشركات ناشئة، ومستثمرين في القطاع المالي، مؤكدًا أن الشراكات الناجحة تبدأ عندما يُقدَّم الحل بلغـة المؤسسة، ويرتبط مباشرة بألمها واحتياجاتها، ويكون قابلًا للتنفيذ الفعلي، لا مجرد فكرة مُلهمة.
البنوك لا تشتري الإلهام
بحسب ديفيس، لا تهتم البنوك بسرد القصص أو العروض الحماسية بقدر اهتمامها بحلول عملية تُقلل التكاليف، تُدر دخلًا، أو ترفع كفاءة العمليات وتحد من الاحتيال. ويؤكد أن “الصفقة لا تُبرم إلا حين يلتقي الشعور بالحاجة بالكفاءة التقنية”، محذرًا من الاكتفاء بالشغف أو الترويج للامتثال التنظيمي دون ترجمة ذلك إلى فائدة مباشرة للمؤسسة.
الرسالة التقنية تحتاج إلى سياق عملي
ينتقد ديفيس الخطأ الشائع بين مؤسسي شركات التكنولوجيا المالية، والمتمثل في تقديم عرض تقديمي مبهِر لكنه يفتقر إلى إجابة مباشرة عن سؤال أساسي يشغل ذهن أي مصرفي: كيف سيساعد هذا المنتج البنك على تحقيق أهدافه؟
ويوضح أن هذه الأهداف غالبًا ما تتمثل في أربعة محاور رئيسية:
- زيادة الودائع الصافية
- رفع الإيرادات غير المعتمدة على الفائدة
- تحسين كفاءة العمليات الخلفية
- الحد من الاحتيال والاختراقات
ويضيف: “التقنيات المتقدمة مثل البنية التحتية السحابية أو الترميز المشفر لا تُثير اهتمام البنك إن لم تُترجم إلى نتائج عملية تخدم هذه الأهداف”.
الاستفادة من الرفض.. والتواضع الفكري
يشدد ديفيس على أن رد الفعل الذكي للرفض لا يكون بالإحباط، بل بتحليل الأسباب الكامنة وراءه، معتبرًا أن كل “لا” تمثل مصدرًا غنيًا للبيانات. ويقول: “الرفض قد يشير إلى خلل في توقيت العرض، أو عدم ملاءمة استراتيجية، أو تسعير لا يعكس القيمة الحقيقية للمنتج”.
كما دعا إلى ما وصفه بـ”التواضع الفكري”، قائلًا: “الحل الذي تعتقد أنه عبقري، قد لا يعني شيئًا للمصرف، بل قد يكون عائقًا أمامه. لا تفرض رؤيتك، بل أعد تشكيلها بما يتناسب مع احتياجات المؤسسة وميزانيتها وأولوياتها”. وختم هذه الفقرة بعبارة لافتة: “كلما قلّ غرورك، زادت فرص قبولك”.
افهم من تبيع له
ينبّه ديفيس مؤسسي شركات الفينتك إلى خطأ افتراض أن العرض موجّه إلى شخص واحد داخل البنك، بينما الحقيقة أن القرار يمر عبر منظومة معقدة من أصحاب القرار والمؤثرين الماليين والتنفيذيين. وهنا يشير إلى أهمية استخدام أدوات مثل “خريطة النفوذ” لفهم من يملك القرار، ومن يُرجّح كفة الموافقة، ومن قد يعطّل المشروع إن غادر أو تغيّر موقعه.
ويضيف: “اعرف من هو نصيرك داخل البنك، وماذا يحدث إن لم يعد موجودًا. الشركات التي تُدرك طبيعة الشبكات الداخلية لا تبدأ من الصفر كل مرة”.
الابتكار وحده لا يكفي
في ختام مقاله، يلفت ديفيس إلى أن تطوّر قطاع التكنولوجيا المالية جعل الابتكار شرطًا ضروريًا، لكنه لم يعد كافيًا. فالمصارف أصبحت أكثر وعيًا ونضجًا، ولم تعد تندفع خلف كل منتج يحمل عناوين براقة. كما أن المستثمرين أصبحوا أكثر انتقائية، فهم يبحثون عن نموذج نمو حقيقي يُثبت فعاليته، وليس مجرد اختلاف شكلي.
ويختم ديفيس مقاله برسالة جوهرية:
“الشراكات المؤثرة تبدأ عندما تروي قصتك بلغة الطرف الآخر، وتربط رؤيتك بألمه، وتقدّم حلًّا يُنفَّذ، لا يُتَخَيَّل”.