مدن وبلدان

بريزرين.. جوهرة البلقان التي تحفظ عبق العثمانيين في قلب كوسوفو

تقع مدينة بريزرين في جنوب غربي كوسوفو، وتُعد من أبرز الشواهد الحية على الإرث العثماني العريق في منطقة البلقان، حتى باتت تُلقب بـ”جوهرة البلقان”، لما تحويه من معالم تاريخية آسرة، وجمال طبيعي أخاذ، وثقافة تنبض بالحياة.

يُعتقد أن اسم “بُر زرين” مشتق من التركية العثمانية ويعني “الذهب الصافي”، في دلالة رمزية على المكانة المتألقة لهذه المدينة التي جمعت بين عراقة الماضي وروح الحاضر.

عبق التاريخ في كل زاوية

تتمركز بريزرين عند سفوح جبال شار، حيث تتناغم المباني التقليدية ذات الطابع الألباني والتركي والبوشناقي، مع المساجد والخانات والجسور العثمانية، لتشكل لوحة معمارية تنقل الزائر إلى عمق التاريخ.

ومن أبرز معالم المدينة، مسجد سنان باشا الذي شُيد في القرن السابع عشر، ويُعد تحفة معمارية عثمانية بقببه المزخرفة وخطوطه العربية الأنيقة، التي تعكس فنون الزخرفة الإسلامية في أبهى صورها.

كما يشكل الجسر الحجري “طاش كوبري”، الذي يعود للقرن السادس عشر، أحد أشهر رموز بريزرين، حيث يتوقف الزوار عنده لالتقاط الصور والاستمتاع بمشهد يعكس روح المدينة وتاريخها العريق.

ويكتمل المشهد من على تلال بريزرين، حيث تطل القلعة القديمة شامخة، مانحة الزائر منظراً بانورامياً خلاباً يمتد حتى جبال شار المغطاة بالخضرة.

تنوع ثقافي فريد

لا تقتصر جمالية بريزرين على طرازها المعماري العريق، بل تمتاز أيضاً بتعددها الثقافي، إذ تعيش فيها جماعات متعددة من الألبان والأتراك والبوشناق وغيرهم، في تناغم يعكس روح التسامح والانفتاح التي تميز المدينة عن باقي مدن البلقان.

وتنبض شوارع بريزرين بالحياة اليومية، حيث تنتشر المقاهي التقليدية والمطاعم الشعبية التي تقدم أطباقاً محلية متنوعة، من فطائر اللحم والمشاوي الشهيرة، إلى الحلويات الشرقية التي تضيف بعداً من النكهة إلى تجربة الزائر.

بوصلة التاريخ التركي

يقول كاميران عبه جي أوغلو، سائح تركي زار المدينة قادماً من سكوبيا، إن “بريزرين لا تزال تحتفظ بعبق الثقافة التركية”، مؤكداً أن الكثير من سكانها ما زالوا يتحدثون التركية. واستعاد ذكرياته من التسعينيات حين زار كوسوفو ضمن وفد رسمي مع الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، مشيداً بجهود وكالة التعاون التركية “تيكا” في ترميم المواقع التاريخية، ومنها ضريح السلطان مراد.

أما رتيبة تاديفي القادمة من سراييفو، فوصفت زيارتها للمدينة بأنها “عودة إلى الجذور”، قائلة: “هنا ولدت عائلتي قبل أن تهاجر إلى سراييفو. بريزرين تحتفظ بملامح مدينتي، وتجمع بين التاريخ والجمال في مشهد لا يُنسى”.

وأضافت أن رحلتها جاءت بعد تطبيق سياسة السفر باستخدام البطاقة الشخصية بين البوسنة وكوسوفو، مما سهّل زيارتها، معتبرة أن “المعالم العثمانية هنا ليست حجارة صامتة، بل ذاكرة نابضة تنبثق من قلب الطبيعة”.

وجهة لا تُنسى

بريزرين ليست مجرد مدينة تاريخية، بل وجهة تنبض بروح الماضي والحاضر، وتُعيد إحياء صفحات من حضارة لا تزال تترك بصمتها في البلقان. إنها مدينة تسكن الوجدان، وتبقى في القلب شاهدة على تلاقح الحضارات وسحر المكان.

زر الذهاب إلى الأعلى