باحثون بريطانيون يدعون لتوسيع نطاق صرف أدوية إنقاص الوزن: نحو تحوّل في استراتيجية الصحة العامة والاقتصاد

اقترح باحثون في معهد توني بلير للتغيير العالمي بالمملكة المتحدة توسيع معايير الحصول على أدوية إنقاص الوزن، بما قد يتيح لما لا يقل عن 14.7 مليون بريطاني الاستفادة منها. ويأتي هذا المقترح ضمن رؤية أوسع تهدف إلى تحسين صحة السكان وتعزيز أداء الاقتصاد الوطني من خلال تخفيف الضغط على هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
وفي تقرير صدر في مايو/أيار الجاري، وغطّته صحيفة ديلي ميل البريطانية، دعا المعهد إلى خفض عتبة الأهلية للحصول على هذه الأدوية، لتشمل الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن وليس فقط أولئك المصنّفين سريريًا ضمن فئة السمنة.
الوصول المباشر للأدوية.. وتحول في الخدمات
كجزء من المقترحات، أوصى التقرير بإتاحة أدوية إنقاص الوزن بدون وصفة طبية، ما قد يلغي الحاجة إلى زيارة الطبيب العام، ويخفض العبء على النظام الصحي. كما دعا إلى تطوير خدمات رقمية متكاملة لإدارة الوزن من خلال تطبيق هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، في خطوة تهدف إلى تسهيل الوصول وتشجيع الوقاية.
عبء السمنة.. وأثرها على الاقتصاد
تُعد السمنة اليوم من أبرز مسبّبات الاعتلال الصحي في المملكة المتحدة، وتمثل عبئًا متزايدًا على النظام الصحي ونفقات الإعانات والاقتصاد ككل. ورغم أن هيئة NHS توزع حالياً هذه الأدوية على نحو 50 ألف شخص سنويًا في عيادات متخصصة، إلا أن عدد المؤهلين يصل إلى أكثر من 4 ملايين شخص، وفق مؤشر كتلة الجسم (BMI) الذي يزيد عن 35.
ويُصنّف المؤشر بين 30 و40 كسمنة، وما فوق 40 كسمنة مفرطة. ويُقدّر أن نصف مليون شخص آخرين يحصلون على هذه العلاجات بشكل خاص مقابل نحو 200 جنيه إسترليني شهريًا (نحو 268 دولارًا).
خفض العتبة.. وتحقيق التوازن الاقتصادي
يدعو تقرير المعهد إلى اعتماد مؤشر كتلة جسم لا يتجاوز 27 كحد أدنى للحصول على الحقن الدوائية، وهو ما يضع شريحة كبيرة من السكان المصنّفين في فئة “زيادة الوزن” ضمن دائرة الاستفادة.
وتُظهر النماذج الاقتصادية للمعهد أن هذا التغيير قد يحقق توازنًا بين التكلفة والفائدة بحلول عام 2035، مع تحقيق وفورات سنوية تراكمية تُقدّر بنحو 52 مليار جنيه إسترليني (نحو 70 مليار دولار) بحلول عام 2050.
ناهضات GLP-1: ثورة دوائية جديدة
تركز أدوية إنقاص الوزن الجديدة على “ناهضات مستقبلات GLP-1″، وهي أدوية تُحاكي عمل هرمون طبيعي يُنظّم مستويات السكر في الدم ويساعد على الشعور بالشبع. وتشمل هذه الفئة مجموعة من الأدوية القابلة للحقن والأقراص، أشهرها:
- Ozempic (سيماغلوتيد) – لعلاج السكري
- Wegovy (سيماغلوتيد) – مخصص لإنقاص الوزن
- Rybelsus – أقراص سيماغلوتيد
- Trulicity (دولاغلوتايد)
- Saxenda (ليراغلوتايد) – لإنقاص الوزن
- Mounjaro (تيرزباتيد) – ناهض مزدوج لمستقبلات GLP-1/GIP
تُعطى هذه الأدوية عن طريق الحقن تحت الجلد، وتُستخدم ضمن خطة علاجية متكاملة تتضمن تحسين نمط الحياة والتغذية.
تحسين الإنتاجية: أثر يتجاوز الصحة
تشير الدراسات إلى أن هذه الأدوية لا تقتصر فوائدها على خفض الوزن فحسب، بل تسهم أيضًا في تحسين جودة الحياة والإنتاجية. فقد أظهرت تجربة حديثة، قُدمت في المؤتمر الأوروبي للسمنة، أن استخدام عقار سيماغلوتيد أدى إلى زيادة في الإنتاجية السنوية تُعادل 1127 جنيهًا إسترلينيًا (نحو 1500 دولار) للفرد.
كما ساعد الدواء في تقليل الإجازات المرضية بمتوسط 5 أيام سنويًا، ومكّن الأفراد من المشاركة في 12 يومًا إضافيًا من الأنشطة غير المدفوعة، مثل التطوع ورعاية الأطفال. وإذا تم توفير الدواء لـ4 ملايين شخص مؤهل، فقد تُحقق بريطانيا زيادة في الإنتاجية تُقدّر بـ4.5 مليارات جنيه إسترليني (نحو 6 مليارات دولار) سنويًا.
دعوة إلى التحرك الحكومي
من جانبها، قالت الدكتورة شارلوت ريفسوم، مديرة السياسات الصحية في المعهد:
“إذا كانت الحكومة جادة في تحسين الصحة العامة وتحفيز النمو الاقتصادي، فإن مكافحة السمنة يجب أن تكون في صلب أجندتها الوقائية.”
وفي ظل ما وصفه المعهد ببطء النظام الحالي واعتماده على إحالات مكلفة للطبيب العام، يرى الخبراء أن توسيع نطاق صرف الأدوية يمثل فرصة غير مسبوقة لتحسين الصحة العامة، وتقليل التفاوت الاجتماعي، ودفع عجلة الاقتصاد.