انقسامات المعارضة التونسية تُضعف جهودها في مواجهة السلطة

رغم امتلاء السجون التونسية بمعتقلين ينتمون لمختلف مكونات المعارضة، لا تزال الخلافات السياسية تواصل تقويض صفوفها، وتمنعها من بناء جبهة موحدة في مواجهة سياسات الرئيس قيس سعيّد. وقد تجلى ذلك بوضوح في الذكرى الرابعة لإعلان التدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيّد يوم 25 يوليو/تموز 2021، حيث فشلت القوى المعارضة مجددًا في تنسيق تحرك جماعي يعكس وحدة موقفها.
وقد برز هذا التشرذم مؤخرًا في محاولات التنسيق بين “جبهة الخلاص الوطني” و”الشبكة التونسية للحقوق والحريات” لتنظيم مسيرة احتجاجية موحدة مساء الجمعة تنطلق من ساحة محمد علي أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، للتنديد بالمحاكمات السياسية واعتقال المعارضين. إلا أن هذه المساعي باءت بالفشل نتيجة خلافات داخلية، ليعلن كل طرف تأجيل مشاركته لأسباب تتعلق بـ”عدم التفاهم” و”الحاجة إلى مزيد من التنسيق”.
خلفيات الأزمات
تضم جبهة الخلاص شخصيات وطنية وأحزابًا معارضة من أبرزها حركة النهضة، بينما تتشكل الشبكة التونسية للحقوق والحريات من منظمات مدنية وشخصيات يسارية ترفض أي تقارب مع النهضة لأسباب أيديولوجية. هذه الهوة الفكرية العميقة، التي تعود جذورها إلى ما قبل الثورة، لا تزال تشكل حاجزًا أمام أي جهد توحيدي جاد.
وقد أثار إعلان جبهة الخلاص تأجيل المسيرة، رغم ما وصفته بتقديمها لتنازلات من أجل إنجاح التحرك، ردود فعل متباينة. كما أعلنت الشبكة بدورها تأجيل تحركها، مؤكدة على أهمية التنسيق مع “الأطراف الديمقراطية والتقدمية”. وزاد الموقف تعقيدًا بعد إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه لانطلاق أي تحرك احتجاجي من أمام مقره المركزي، بحجة عدم التنسيق المسبق، وهو ما أثار انتقادات من قبل مراقبين رأوا في ذلك رضوخًا لضغوط السلطة.
خيبة أمل واسعة
عائلات المعتقلين السياسيين لم تخفِ استياءها من حالة الانقسام، معتبرة أن الخلافات الحزبية طغت على المصلحة الوطنية ومعاناة السجناء. وقالت “تنسيقية عائلات المعتقلين” إن هذا التشرذم أضعف الزخم الشعبي اللازم لمواجهة الانتهاكات المتصاعدة، داعية إلى كسر الجمود السياسي والانخراط في تحرك شعبي واسع للمطالبة بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، بغض النظر عن توجهاتهم.
ويرى مراقبون أن استمرار الصراع بين مكونات المعارضة، خصوصًا بين النهضة وخصومها، ساهم في تآكل الثقة الشعبية بها، مما يصب مباشرة في مصلحة الرئيس سعيّد، الذي لا يزال يستثمر في حالة الانقسام داخل المعارضة منذ إعلان إجراءاته الاستثنائية.
فشل المبادرات التوحيدية
هذا الانقسام ليس جديدًا، بل تكرر في مناسبات عدة، آخرها إفشال مؤتمر وطني كانت قد دعت إليه الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والذي قوضته الخلافات بشأن مشاركة النهضة في الحوار، مما أضعف المبادرة وفقدها مصداقيتها كمسار لتشكيل جبهة ديمقراطية موحدة.
منذ تولي قيس سعيّد السلطة، تعيش المعارضة حالة من التفتت الحاد، لم تفلح في تجاوزها رغم تدهور الحريات وتصاعد القمع. ويُعزى هذا التشرذم إلى التباين الأيديولوجي وانعدام الثقة المتبادل، خاصة بين التيارات العلمانية والإسلامية، وهو ما انعكس في تنظيم احتجاجات متوازية دون تنسيق ميداني أو توحيد الشعارات.
شهادات من الداخل
وفي تصريح لموقع الجزيرة نت، أكد نجيب الشابي، زعيم جبهة الخلاص، أن الانقسامات داخل المعارضة سبقت الثورة، مشيرًا إلى أن التنازلات التي قدمتها الجبهة لتنظيم تحرك موحد اصطدمت برفض بعض مكونات الشبكة السير إلى جانب النهضة، ما أدى إلى إلغاء المسيرة. وأوضح أن هذه الخلافات تعيق تشكيل جبهة قوية قادرة على التصدي لحكم سعيّد وسياساته “الاستبدادية”.
من جانبه، يرى الصحفي زياد الهاني أن أزمة المعارضة لا تقتصر على الخلافات الفكرية، بل تشمل غياب روح المواطنة التي كان يفترض أن توحد الصفوف دفاعًا عن الحقوق والحريات. وأكد أن بعض الأطراف داخل المعارضة تستغل شعارات الحداثة والإصلاح لممارسة الإقصاء تحت غطاء أيديولوجي.
مأزق ديمقراطي
أما الناشط الحقوقي العياشي الهمامي، فيصف الوضع السياسي في تونس بأنه مأزق حقيقي، حيث يهيمن الحكم الفردي، ويتم الزج بالمعارضين في قضايا ملفقة، مع ما يصاحب ذلك من انتهاكات لحقوق النشطاء والصحفيين. وأشار إلى أن المعارضة تعاني من انقسامات داخلية وافتقار للمبادرة، مما أضعف قدرتها على التأثير.
وشدد الهمامي على أن تجاوز هذه الخلافات، والاعتراف بالأخطاء السابقة، والانخراط في مراجعة ذاتية، بات ضرورة ملحة لاستعادة ثقة الشارع، داعيًا إلى التركيز على التحديات المشتركة من أجل بناء مستقبل ديمقراطي يعيد للمعارضة دورها الحقيقي في المشهد السياسي التونسي.