رأي آخر

اليوم العالمي لحرية الصحافة: بين المبادئ العالمية والتحديات المحلية في العالم العربي وموريتانيا


في الثالث من مايو من كل عام، يحيي العالم اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو مناسبة أممية أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، لتعزيز حرية التعبير وتسليط الضوء على الانتهاكات التي تطال الصحفيين في مختلف أنحاء العالم. وتشكل هذه الذكرى محطة لتقييم واقع الصحافة ومدى التزام الدول بالمبادئ الأساسية التي تجعل من الإعلام سلطة رقابية مستقلة، لا أداة للدعاية أو الإخضاع.

مبررات إحياء هذه المناسبة

تأتي أهمية هذا اليوم من كونه يذكر الدول والمؤسسات والمجتمعات بالدور المحوري الذي يلعبه الصحفيون في حماية الديمقراطية، وكشف الحقائق، ومحاربة الفساد، وترسيخ قيم العدالة. إن الصحافة الحرة تمثل حجر الزاوية لأي نظام سياسي يحترم الحقوق والحريات، كما أنها تُعد مرآة الشعوب وعينها اليقظة التي تنقل الحقيقة وتفضح التزييف.

تحديات حرية الصحافة في العالم العربي

رغم التقدم التشريعي في بعض البلدان، إلا أن حرية الصحافة في العالم العربي ما تزال تواجه تحديات جسيمة، أبرزها:

  1. الرقابة الرسمية وغير الرسمية: تعاني الصحافة العربية من أنظمة رقابة صارمة، بعضها قانوني يتم عبر تشريعات مقيّدة، وبعضها غير قانوني يتم عبر التهديد أو التضييق على المؤسسات الإعلامية.
  2. الاحتجاز والاختفاء القسري: لا تزال حالات توقيف الصحفيين ومحاكمتهم أمام محاكم استثنائية، أو تعرضهم للاختفاء القسري، شائعة في عدد من الدول العربية.
  3. التمويل والتبعية: كثير من وسائل الإعلام تخضع لهيمنة الأنظمة السياسية أو الجهات الاقتصادية، ما يضعف استقلالية المحتوى ويحوّله إلى أداة للتوجيه بدلًا من الإخبار.
  4. غياب الحماية القانونية والمهنية: ما يزال الإطار القانوني في معظم الدول العربية يفتقر إلى الضمانات الكافية التي تحمي الصحفيين من الاعتداءات الجسدية والمعنوية.

التحديات في موريتانيا

رغم الاعتراف الدستوري بحرية الصحافة في موريتانيا، إلا أن الصحفيين الموريتانيين يواجهون بدورهم عراقيل متعددة، منها:

  • ضعف البنية المؤسسية للإعلام المستقل.
  • هشاشة البيئة المهنية وظروف العمل للصحفيين.
  • الضغوط السياسية والقبلية التي تؤثر في تغطية بعض الملفات الحساسة.
  • استخدام قوانين التشهير والجرائم الإلكترونية كأدوات لتقييد حرية التعبير.

ورغم هذه التحديات، فإن هناك بوادر إيجابية، تمثلت في انفتاح النقاش العام، وإعادة النظر في بعض القوانين الإعلامية، وتزايد دور الصحافة الرقمية في كشف القضايا المجتمعية.

آلة القتل في غزة واستهداف الصحفيين

خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، تصدرت جريمة استهداف الصحفيين واجهة الأحداث المأساوية. إذ وثقت منظمات حقوقية وإنسانية دولية مقتل عدد من الصحفيين العرب والفلسطينيين في ظروف تشير إلى تعمّد الاستهداف، رغم وضوح هويتهم الصحفية، بل وبعضهم كانوا يرتدون سترات كتب عليها بوضوح “PRESS”.

إن هذا السلوك من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقيات جنيف التي تفرض حماية خاصة للعاملين في المجال الإعلامي خلال النزاعات المسلحة، ما يوجب تحقيقًا دوليًا شفافًا ومساءلة جنائية واضحة.

الرؤية القانونية لحماية الصحفيين

تمنح المواثيق الدولية، وعلى رأسها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الحماية الكاملة لحرية التعبير، ويُعد الصحفي أثناء أداء مهامه المدنية محميًا بموجب القانون الدولي. ويؤكد “ميثاق حماية الصحفيين” الصادر عن الأمم المتحدة، أن الاعتداء على الصحفيين يمثل اعتداء على الحقيقة وعلى حق الجمهور في المعرفة.

وعلى الدول واجب قانوني وأخلاقي يتمثل في:

  • سن تشريعات صريحة لحماية الصحفيين أثناء أداء مهامهم.
  • توفير بيئة آمنة للعمل الإعلامي الحر.
  • محاسبة المعتدين، سواء في أوقات السلم أو الحرب، وعدم إفلاتهم من العقاب.

خاتمة

إن اليوم العالمي لحرية الصحافة ليس مجرد احتفال رمزي، بل لحظة تأمل ومراجعة لمسار طويل من النضال من أجل الحقيقة. وبينما يستمر الصحفيون في العالم العربي وموريتانيا في حمل مشعل الكلمة رغم الصعاب، فإن حمايتهم تظل مسؤولية جماعية تبدأ بالقانون وتنتهي بثقافة تحترم حرية الرأي وتقدّر من يحملون راية الحقيقة.

محمدعبد الله محمدن

رئيس التحرير


زر الذهاب إلى الأعلى