تحقيقات

الوكالة الوطنية للبحوث الجيولوجية و الأملاك المعدنية… بين الدور المنتظر وممارسات إدارتها الحالية

تُعدّ الوكالة الموريتانية للبحوث الجيولوجية والمعدنية إحدى أهم المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي، لما تضطلع به من مهام تتعلق بالبحث الجيولوجي واستكشاف الثروات المعدنية، باعتبارها ركيزة أساسية في رسم السياسات الوطنية المتعلقة بالموارد الطبيعية. غير أنّ ممارسات الإدارة الحالية تثير – وفق شهادات مختلفة – موجة واسعة من الاستغراب، وتطرح تساؤلات حول مدى انسجامها مع روح الخدمة العمومية.

فقد لوحظ، خلال الأشهر الأخيرة، أنّ مباني الوكالة باتت شبه مغلقة أمام الزوار والمراجعين، في مشهد أقرب إلى ثكنة عسكرية منه إلى مؤسسة عمومية يفترض أن تكون في خدمة المواطن. وتشير مصادر متطابقة إلى أنّ المدير العام يعتمد سياسة انغلاق واضحة، من خلال عدم التجاوب مع الاتصالات والاستفسارات، وإعطاء تعليمات مشددة للعاملين عند البوابة الخارجية بفرض تفتيش دقيق لكل داخل، والتحقق من وجهته قبل السماح له بالدخول.

وتفيد إحدى الحوادث الأخيرة – التي تعرّض لها أحد المراجعين القادمين لأغراض إدارية بسيطة – بأنّ الإجراءات المتخذة لا تقتصر على التنظيم الإداري، بل تتجاوز ذلك إلى ممارسات تُفهم على أنها إقصاء غير مبرَّر للمواطن، وابتعاد عن روح المرفق العمومي.

إنّ هذا النهج – وفق المراقبين – يشكل انحرافًا واضحًا عن مبدأ تقريب الإدارة من المواطن، وهو المبدأ الذي يشدّد عليه رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في مختلف توجيهاته الرامية إلى تحديث الإدارة وفتح أبوابها أمام العموم، بما يعزّز الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته.

كما أنّ حرمان المواطنين من الولوج إلى مؤسسة عمومية خلال أوقات الدوام الرسمي يُعدّ – من الناحية القانونية – مخالفة صريحة لقواعد النفاذ إلى الخدمات، ويثير شبهات حول وجود اختلالات تُحاول الإدارة التستر عليها، وهو ما يفسر وصف بعض المراقبين للممارسات الحالية بأنها تمثل نمطًا من الفساد الإداري الذي ينبغي التصدي له.

وفي المقابل، تُظهر المؤسسات العسكرية والأمنية – التي كانت تُعرف سابقًا بالصرامة والانغلاق – مستويات جديدة من المرونة والانفتاح، حيث باتت أكثر قربًا من المواطن، بما يعكس تغيّرًا إيجابيًا في الثقافة الإدارية، لا يبدو أنّ الوكالة قد واكبته حتى الآن.

وعليه، يرى المعنيّون بمتابعة الشأن العام أنّ من الضروري تكليف فريق من المفتشية العامة للدولة بزيارة ميدانية للوكالة، للوقوف على طبيعة الإجراءات المتّبعة، وتقييم مدى احترامها للمساطر القانونية، ونشر نتائج التحقيق أمام الرأي العام حفاظًا على الشفافية، وحمايةً لحق المواطن في الولوج إلى المرفق العمومي.

زر الذهاب إلى الأعلى