الغلوكوز أكثر من مجرد مصدر للطاقة: دراسة تكشف دوره المحوري في تمايز الخلايا

كشفت دراسة علمية حديثة دورًا محوريًا لسكر الغلوكوز (سكر الدم) في تنظيم عملية تمايز الأنسجة، وهي العملية التي تتحول فيها الخلايا الجذعية إلى خلايا متخصصة تُكوّن أنسجة الجسم المختلفة.
وأجريت الدراسة من قبل باحثين في كلية الطب بجامعة ستانفورد الأميركية، ونُشرت نتائجها في 21 مارس/آذار الجاري ضمن مجلة Cell Stem Cell، كما تناولها موقع EurekAlert المتخصص في الأخبار العلمية.
اكتشاف غير متوقع
لم يكن الغلوكوز هدفًا أساسيًا في بداية البحث، إذ سعى الفريق إلى تحديد الجزيئات التي تُحفّز التمايز الخلوي من خلال تجارب على خلايا جذعية جلدية تتحول إلى خلايا كيراتينية ناضجة — وهي الخلايا الأساسية في الطبقة الخارجية للجلد. وقد استعان الباحثون بتقنيات متقدمة لرصد التغيرات في تركيزات الجزيئات الحيوية أثناء عملية التمايز.
وأثناء تحليل النتائج، تم تحديد 193 جزيئًا مرشحًا للعب دور في هذه العملية. لكن المفاجأة كانت في اكتشاف زيادة ملحوظة في تركيز الغلوكوز داخل الخلايا أثناء التمايز، بعكس التوقعات التي كانت ترجح انخفاضه باعتباره مصدرًا للطاقة يتم استهلاكه.
هذا الاكتشاف دفع الباحثين لإعادة تقييم دور الغلوكوز، فاستخدموا نظائر مشعة وفلورية للغلوكوز لرصد نشاطه داخل الخلايا، وتبين أن شدة التوهج الناتجة عن هذه النظائر تزداد مع تقدم عملية التمايز، ما يشير إلى أن الغلوكوز يلعب دورًا إشاريًا في تحفيز هذا التحول الخلوي.
دور شامل يتجاوز إنتاج الطاقة
لاحقًا، أظهرت تجارب أُجريت على خلايا بشرية أخرى — مثل الخلايا الدهنية والعظمية وخلايا الدم البيضاء — أنماطًا مماثلة، مما يدعم فرضية أن الغلوكوز عنصر تنظيمي أساسي في تمايز أنواع مختلفة من الأنسجة.
وفي خطوة إضافية، قام الباحثون باختبار أثر انخفاض مستويات الغلوكوز في بيئات اصطناعية تحاكي أنسجة الجلد البشري، ووجدوا أن التمايز لم يحدث بشكل سليم عندما كان تركيز الغلوكوز منخفضًا. غير أن المشكلة حُلّت بإدخال نظير غلوكوز غير قابل للاستقلاب، ما يشير إلى أن دور الغلوكوز في التمايز يتجاوز كونه مصدرًا للطاقة.
آفاق طبية واعدة
علّق الدكتور بول خافاري، رئيس قسم الأمراض الجلدية في كلية الطب بجامعة ستانفورد، على النتائج بقوله: “كانت مفاجأة كبيرة. كنا نعتقد لسنوات أن وظيفة الغلوكوز تقتصر على تزويد الخلية بالطاقة، لكننا الآن نرى أن له دورًا تنظيميًا مستقلًا في عملية التمايز”.
ويأمل الفريق في التعمق أكثر في فهم آليات عمل الغلوكوز في الخلايا السليمة والمريضة، لما قد يحمله ذلك من أهمية في فهم اضطرابات مثل السكري، والسرطان، الذي يتميز بخلل في التمايز ونمو غير منضبط للخلايا.
وتفتح هذه النتائج المجال أمام أبحاث مستقبلية قد تكشف عن أدوار غير متوقعة لجزيئات حيوية بسيطة في عمليات بيولوجية معقدة، ما يدعو إلى إعادة النظر في الفرضيات الكلاسيكية التي طالما اعتُمدت في علم الأحياء الخلوي.