تكنولوجيا

الطموحات التكنولوجية الصينية: من “صنع في الصين 2025” إلى المنافسة العالمية في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات

في مايو 2015، أطلقت الحكومة الصينية مشروعًا استراتيجيًا تحت اسم “صنع في الصين 2025″، يهدف إلى تحويل الصين من كونها “مصنع العالم” للسلع منخفضة التكلفة إلى قوة صناعية عالمية رائدة في مجالات الصناعات المتقدمة والابتكار التكنولوجي، مع الاعتماد على الذات في إنتاج التقنيات المتطورة.

حقق المشروع نجاحًا كبيرًا، حيث وضعت الصين نفسها في صدارة الدول المنتجة للسيارات الكهربائية، وشبكات الجيل الخامس للاتصالات، والبطاريات، والطاقة الشمسية. على سبيل المثال، بلغت نسبة السيارات الكهربائية والهجينة المباعة في الصين 53%، مقارنة بنحو 8% فقط في الولايات المتحدة. كما تسيطر الصين على أكثر من 80% من صناعة الألواح الشمسية في العالم، و70% من إنتاج بطاريات الليثيوم أيون. كما تمثل المحطات القاعدية لشبكات الجيل الخامس في الصين نحو 60% من الإجمالي العالمي. وفي مجال وسائل التواصل الاجتماعي، دخلت الصين المنافسة بقوة من خلال تطبيق “وي تشات” و”تيك توك”، اللذين تجاوز عدد مستخدمي كل منهما المليار مستخدم.

وفي مجال الحوسبة الكمومية، تسعى الشركات الصينية لمنافسة نظيراتها الأمريكية، رغم تفوق الأخيرة الطفيف، إلا أن الصين تُحرز تقدمًا سريعًا وتطمح لتقليص الفجوة وتحقيق الريادة في هذا المجال.

استشعرت الولايات المتحدة خطورة التقدم التكنولوجي الصيني السريع، وبدأت في اتخاذ إجراءات للحد من هذا التقدم، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. فقد بدأت الولايات المتحدة في مايو 2019 بفرض قيود على شركة “هواوي” ومنعتها من شراء المكونات الأمريكية دون ترخيص، وتوسعت هذه الإجراءات لتشمل منع شركات مثل “TSMC” التايوانية من تزويد الشركات الصينية بالمعالجات المتطورة، وكذلك منع “إيه إس إم إل” الهولندية من تزويد الصين بتقنية الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى، وهي التقنية التي تسمح بإنتاج رقائق إلكترونية بأحجام صغيرة جدًا.

رغم هذه القيود، واصلت “هواوي” تطوير منتجاتها، فأطلقت مجموعة متطورة من الهواتف الذكية في عام 2023 وما بعده، مما يدل على تقدمها في تصنيع أشباه الموصلات محليًا.

وفي 10 يناير 2025، أطلقت شركة “ديب سيك” الصينية نموذجًا متقدمًا للذكاء الاصطناعي باسم “R1″، ليشكل منافسة حقيقية لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي كانت تحتكرها الشركات الأمريكية. هذا النموذج الصيني أحدث تأثيرًا كبيرًا في السوق، مما أدى إلى تراجع أسعار أسهم الشركات الأمريكية الكبرى في قطاع التكنولوجيا، وتعرضت شركة “إنفيديا” الكبرى لخسائر ضخمة في قيمتها السوقية. وقد اعتُبر النموذج “R1” ذو قدرات متقدمة في التحليل الرياضي والمنطقي وحل القضايا المعقدة، كما يمتاز بتكلفة منخفضة مقارنةً بمثيلاته الأمريكية.

مقارنة مع نموذج “o1” من “أوبن إيه آي”، أظهر “R1” تفوقًا طفيفًا في اختبارات رياضية معقدة مثل “ماث-500” و”آيمي 2024″، حيث نجح في حل مسائل رياضية معقدة كانت تمثل تحديًا لنماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى.

وفي وقت لاحق من يناير 2025، ردت “أوبن إيه آي” بإصدار نسختها الجديدة “o3-mini”، ثم أطلقت “ديب سيك” وعودًا بإطلاق الإصدار “R2” في القريب العاجل، مما يشير إلى أن المنافسة بين الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي ستكون شديدة في المستقبل القريب.

في مجال أشباه الموصلات، تحتكر “إيه إس إم إل” الهولندية تقنية الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (EUV)، والتي تتيح تصنيع رقائق بحجم 3 نانومتر وأقل. وبالرغم من القيود التي فرضتها الولايات المتحدة، استطاعت الصين التقدم في هذا المجال، فقد أطلقت “هواوي” في أغسطس 2024 هاتفها الذكي Mate 60 Pro باستخدام معالج دقيق بحجم 7 نانومتر، مما أثار اهتمامًا واسعًا في صناعة أشباه الموصلات. وفي ديسمبر 2024، أعلن معهد هاربين للتكنولوجيا في الصين عن تقدم كبير في تطوير تقنية جديدة لإنتاج ضوء الأشعة فوق البنفسجية القصوى، مما يتيح إمكانية تصنيع رقائق بحجم 3 و2 نانومتر وربما أصغر.

من المتوقع أن يحتاج الصينيون نحو 4 إلى 5 سنوات لتطوير هذه التقنية المتقدمة بشكل كامل، مما سيسهم في سد الفجوة التقنية بينهم وبين الدول الغربية.

وفي الختام، قال أحد العلماء الصينيين في رد على الحصار التكنولوجي الأمريكي: “الحكمة الصينية تقول: الحياة دائمًا ما تجد طريقها الخاص”.

زر الذهاب إلى الأعلى