ثقافة

الطرود العسكرية و”الزائر الغريب”… هل هناك ما يُدبَّر لموريتانيا في الخفاء؟

اليوم، تم الإعلان عن العثور على طرود تحتوي على ألف بزة عسكرية داخل الأراضي الموريتانية. وقد قُيّدت القضية – حسب المصادر – “ضد مجهول”، قبل أن يُغلق الملف بصورة سريعة ومفاجئة. هذا الحدث الاستثنائي أربك الرأي العام، خاصة في ظل الصمت الرسمي، وغياب أي توضيحات تُبدد المخاوف المتصاعدة.

في توقيت لا يخلو من دلالة، شهدت البلاد خلال الأسابيع الماضية زيارة قام بها رجل أعمال سوداني مقيم في الإمارات، تقول بعض الروايات إنه من الدائرة المقربة من قوات الدعم السريع السودانية، المثقلة بالاتهامات المتعلقة بجرائم حرب وتهريب السلاح والذهب. وتفيد نفس المصادر أن الزائر حلّ ضيفًا على جهة اجتماعية محلية معروفة بثراء حديث ومثير للجدل.

هذه الجهة – دون تسمية – أثارت خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من التساؤلات في الأوساط الشعبية، بسبب الطفرة المفاجئة في ثروتها، دون وجود خلفية تجارية معروفة أو نشاط اقتصادي واضح يبرر هذا التحول. وتداولت بعض الأوساط أن تلك الأموال تصل من جهات خارجية، مرورًا بدول مجاورة، مع روايات غريبة تربط المال بما يسمى “الرقية الشرعية”، وهو ما زاد من الشكوك، بدلًا من تبديدها.

يأتي ذلك في وقت تتردد فيه منذ أشهر شائعات – لم تُنفَ بشكل رسمي – عن وجود منشأة إماراتية في شمال موريتانيا، توصف أحيانًا بأنها “مطار خاص”، وأحيانًا بأنها قاعدة دعم لوجستي. ونعلم من التجارب العربية القريبة أن مثل هذه “المنشآت الغامضة” كانت بوابة لتدخلات إقليمية، كما حدث في ليبيا والسودان واليمن.

إن هذا التشابك في المعطيات يجعل من واجب الدولة التعامل بجدية ومسؤولية مطلقة مع الحدث، والقيام بما يلي:

فتح تحقيق رسمي ومستقل في مسألة الطرود العسكرية، ومحاسبة كل من سهل أو تستر.

توضيح طبيعة زيارة الشخصية الأجنبية وما إذا كانت تمت بموافقة الجهات المختصة.

تتبع حركة الأموال المشبوهة التي تُربك الشارع الموريتاني وتُغذّي الشكوك.

نفي أو تأكيد وجود أي منشآت أجنبية غير معلنة على التراب الوطني.

فما نخشاه – ومعنا كثير من الغيورين – هو أن تكون هذه الأحداث مقدمة لسيناريو أكثر خطورة، إما عبر استنساخ نماذج الميليشيات التي مزقت دولًا مجاورة، أو تحويل البلاد إلى ممر ومسرح لصراعات الآخرين.

موريتانيا ليست بلدًا فقيرًا في الخبرة ولا في الذكاء السياسي، لكنها هشة أمنيًا وسهلة الاختراق إذا غاب الحزم. وإن أي تراخٍ في هذا الملف لن يُقرأ إلا كضوء أخضر للقوى المتربصة بالمنطقة.

إن حماية السيادة لا تكون بالصمت ولا بالطمس، بل بالشفافية واليقظة والمحاسبة.

حمادي سيدي محمد آباتي

زر الذهاب إلى الأعلى