تكنولوجيا

الصين توسّع نفوذها في أفريقيا عبر تقنيات المراقبة وسط تراجع الدور الغربي

لم يعد حضور بكين في أفريقيا مقتصراً على مجالي التجارة والاستثمار، بل امتد ليشمل مجالات أكثر حساسية مثل أنظمة المراقبة والأمن الرقمي، التي تُباع للحكومات الأفريقية دون اشتراطات تتعلق بالشفافية أو احترام حقوق الإنسان، وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ.

وأوضح التقرير أن هذا التوجه الصيني مستمر منذ أكثر من عقدين، إذ أظهرت أبحاث الأكاديمي الجنوب أفريقي بوليلاني جيلي أن العديد من الدول الأفريقية استوردت أنظمة مراقبة صينية مكثفة أسهمت في تقييد الحريات العامة وتقليص مساحة المجتمع المدني والديمقراطية.

وقال جيلي، الذي درس في جامعة بكين عبر منحة “ينتشينغ” عام 2016 وأكمل دراسته لاحقاً في جامعة هارفارد، إن هذه الأنظمة تُقدَّم دون ضمانات كافية تتعلق بالخصوصية أو الحوكمة الرشيدة، مشيراً إلى أن توريد هذه التكنولوجيا دون التزامات واضحة بالشفافية أو الحقوق الأساسية يعزز مصداقية الأنظمة السلطوية.

وأشار التقرير إلى أن شركات صينية كبرى مثل هواوي وزد تي إي (ZTE) وهايكفيجن (Hikvision) تبيع كاميرات وأنظمة مراقبة بأسعار منخفضة مقارنة بالشركات الغربية، وتستفيد من قروض صينية ميسّرة لتسهيل انتشار منتجاتها. ومع كون نحو نصف سكان أفريقيا يعيشون في دول تُصنف “غير حرة” وفق منظمة فريدوم هاوس، يجد العديد من القادة الأفارقة في هذه الصفقات فرصة مناسبة لتوسيع قدراتهم الأمنية دون قيود سياسية أو حقوقية.

وبيّن التقرير أن أنظمة المراقبة الصينية استخدمت في عدة دول لاستهداف المعارضين والأقليات، مستشهداً بما حدث في أوغندا، حيث كشف تحقيق لـبلومبيرغ عام 2024 أن كاميرات مراقبة وفرتها “هواوي” ركزت على منازل شخصيات معارضة وساعدت في تحديد هوية المتظاهرين وملاحقتهم.

وتسوق “هواوي” نظامها المعروف باسم “المدينة الآمنة” باعتباره وسيلة فعالة لمكافحة الجريمة والإرهاب، غير أن التقرير أشار إلى عدم وجود أدلة ملموسة على انخفاض معدلات الجريمة في الدول التي تبنّت هذه التقنية، فيما تحقق فعلياً هو تمكين السلطات من جمع كميات ضخمة من بيانات المواطنين ومراقبة تحركاتهم.

ويرى جيلي أن غياب الشروط والقيود في السياسة الصينية تجاه أفريقيا يمنح بكين صورة إيجابية لدى الحكومات المحلية، إذ “تتبرأ من أي مسؤولية عن النتائج المترتبة على استخدام تقنياتها”، الأمر الذي منح الشركات الصينية تفوقاً واضحاً على نظيراتها الغربية، ونتج عنه تراجع نفوذ الغرب في الأسواق والسياسات الأفريقية.

وختم الأكاديمي الجنوب أفريقي بالقول إن القوى الغربية باتت تواجه تراجعاً متزايداً في قدرتها على التأثير في معايير الحوكمة واتجاهات السياسات داخل القارة، في حين تمضي الصين بخطى ثابتة لترسيخ هيمنتها الرقمية في أفريقيا من خلال أدوات مراقبة تفتقر إلى الشفافية وتُضعف قيم الحرية وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى