الصين تعيد هيكلة احتياطاتها الأجنبية: تخفيض الاعتماد على الدولار وزيادة الاستثمار في الذهب تحسبًا لمخاطر واشنطن

في خطوة استراتيجية تهدف إلى حماية احتياطاتها من التقلبات الجيوسياسية، تسارع الصين إلى إعادة تشكيل محفظة احتياطياتها الأجنبية البالغة 3.2 تريليونات دولار، من خلال تقليص اعتمادها على سندات الخزانة الأميركية، وزيادة استثماراتها في الذهب والأصول البديلة. وتأتي هذه التحركات وسط تصاعد المخاوف من مخاطر العقوبات المحتملة والتوترات السياسية المتزايدة مع واشنطن.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن إدارة الدولة للنقد الأجنبي في الصين (SAFE) بدأت مراجعة داخلية بعد قرارات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتعديل مجلسي إدارة شركتي “فاني ماي” و”فريدي ماك” المدعومتين من الحكومة الأميركية. ويعتبر المسؤولون الصينيون هذه السندات، وحتى حصص الملكية في تلك الشركات، بدائل محتملة لسندات الخزانة الأميركية.
تقليص تدريجي للسندات وزيادة مطردة في الذهب
تشير البيانات الرسمية إلى أن الصين قلصت حيازتها من سندات الخزانة الأميركية بنسبة 27% خلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2022 إلى ديسمبر/كانون الأول 2024، لتصل إلى 759 مليار دولار، مقارنة بتراجع أقل بنسبة 17% بين عامي 2015 و2022.
بدلاً من بيع مفاجئ قد يهز الأسواق، اعتمدت بكين إستراتيجية تُعرف باسم “تينغنُو” (المناورة الحذرة على الحبل المشدود)، والتي تهدف لتحقيق توازن بين السيولة والعائد والأمان، بحسب مصادر مطلعة.
في المقابل، ارتفعت حيازات الصين من السندات الصادرة عن كيانات شبه حكومية أميركية مثل “فاني ماي” بنسبة 60% بين عامي 2018 و2020، لتبلغ 261 مليار دولار.
ويقول براد سيتسر، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، إن هذه السندات “تُعد البديل الأكثر منطقية لسندات الخزانة في السوق الأميركية، واهتمام الصين بها يتجاوز اهتمام معظم البنوك المركزية الأخرى”.
وفي توجه موازٍ، كثفت بكين مشترياتها من الذهب، حيث ارتفعت حيازات البنك المركزي الصيني من الذهب بنسبة 18% منذ نهاية عام 2022، لتشكل 6% من إجمالي الاحتياطيات، مقارنة بـ2% قبل سنوات قليلة. واعتبر جيمس ستيل، كبير محللي المعادن الثمينة في بنك HSBC، أن وتيرة شراء الذهب “مدروسة ومحسوبة بدقة”.
مخاوف من التجميد وتآكل القوة الشرائية
تعكس هذه التحركات جزئياً مخاوف متزايدة لدى بكين من احتمال تجميد أصولها الدولارية في حال تصاعد النزاع مع واشنطن، على غرار ما حدث مع روسيا عام 2022. وكتب باحثون من جامعة تسينغهوا أن “تجميد الأصول الروسية قدم مثالاً صارخاً على هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي، والدروس المستخلصة بالنسبة للصين واضحة”.
وفي هذا السياق، حذّر يو يونغ دينغ، العضو السابق بلجنة السياسات النقدية في البنك المركزي الصيني، من مقترح تداولته بعض الأوساط الأميركية لتحويل سندات الخزانة إلى أدوات دين طويلة الأجل بدون فوائد مقابل تخفيف الرسوم الجمركية، معتبراً ذلك “تهديداً كبيراً قد يكلف الصين ثمناً باهظاً”.
تحديات استراتيجية التنويع
رغم التقدم في إعادة الهيكلة، يؤكد خبراء أن البدائل المتاحة لسندات الخزانة الأميركية محدودة. وقال إسوار براساد، أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنيل، إن “الاستراتيجية الحالية ربما بلغت أقصى حدودها نظراً لندرة الأصول الآمنة عالية السيولة والعائد”.
وأضاف مسؤول صيني: “قد نضطر إلى التخلي عن جزء من العائد، لكن البقاء في السندات الأميركية وسط تصعيد محتمل قد يؤدي إلى خسارة استثماراتنا بالكامل”.
ومع استمرار تدهور العلاقات التجارية والسياسية بين بكين وواشنطن، تتجه الصين بخطى ثابتة نحو تنويع احتياطاتها بشكل متدرج، لتقليل تعرضها المباشر للأصول الدولارية، دون إحداث صدمة في الأسواق المالية العالمية. ومن المتوقع أن تتسارع وتيرة هذا التوجه خلال الفترة المقبلة في إطار استراتيجية وقائية طويلة الأجل.