الزكاة في التشريع القرآني: حماية للمجتمع وضمان للسلم الاجتماعي/

قلم: علي محمد الشرفاء الحمادي
كاتب ومفكر إسلامي
إن الزكاة في شريعة الإسلام تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التكافل الاجتماعي، وحماية المجتمع من آفات الفقر والحاجة. وقد بيَّن الله سبحانه في كتابه العزيز أن الزكاة لا يُشترط فيها زمن محدد، بل تُستحق بمجرد تحقق المكسب أو الربح من النشاط التجاري، أو الصناعي، أو الزراعي، إذ إن القاعدة الشرعية الواضحة هي: استحقاق الزكاة مرتبط بتحقق المكسب، لا بالمدة الزمنية.
وقد نصَّ التشريع الإلهي على أن الزكاة تُقدَّر بنسبة عشرين في المائة (الخُمس) من صافي المكاسب التي يحققها المسلم، امتثالًا لقول الله تعالى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}
(الأنفال: 41).
أما من لا يملك نشاطًا يدر عليه دخلًا، فقد أسقط عنه الله سبحانه فرض الزكاة، كما أسقط فرض الحج عن غير المستطيع؛ إذ إن التكليف في الإسلام مرتبط بالقدرة والاستطاعة، مصداقًا لقوله تعالى:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}
(البقرة: 286).
وفيما يتعلق بالصدقة، فإن الله تعالى أمر عباده بالإنفاق في سبيله بقدر طاقتهم، دون تحديد لنسبة معينة أو مصدر محدد، وجعلها بابًا مفتوحًا لكل قادر لمساعدة المحتاج في أي وقت وظرف، كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ}
(البقرة: 267).
ويُحذرنا القرآن الكريم من مغبة التهاون في أداء حق الله في أموالنا، موضحًا خطورة تجاهل الإنفاق في سبيل الله لما له من آثار مدمرة على السلم الاجتماعي، إذ قال تعالى:
{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
(البقرة: 195).
إن فرض الزكاة في الإسلام لم يكن غاية لذاتها، بل لتحقيق حكمة إلهية عليا تكفل حماية المجتمع من خطر ثورة الجياع، التي قد تنشب نتيجة الفوارق الاجتماعية الصارخة، وما قد يترتب عليها من آثار خطيرة تهدد استقرار وأمن المجتمعات الإسلامية، إذ إن الجوع قد يدفع الفقراء والمحرومين للانتقام من الأغنياء، في محاولة يائسة للحصول على حقوقهم المهدورة.
ولو التزم المسلمون بحكم الله في أداء الزكاة وفق النسبة القرآنية، وفي كل مرة يتحقق فيها المكسب، لأدى ذلك إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي لجميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن دياناتهم أو عقائدهم، ولانتشرت الرحمة بين الناس، ولتحقق قول الله تعالى في رسوله الكريم:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}
(الأنبياء: 107).
وعليه، فإن على كل صاحب مال أو مكسب أن يسارع بأداء حق الله في أمواله، تنفيذًا للتشريع الإلهي، وحمايةً لنفسه وأمواله من العواقب الوخيمة المترتبة على إهمال هذا الفرض العظيم، مصداقًا لقوله تعالى:
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
(هود: 101).
خاتمة
إن الزكاة ليست مجرد عبادة مالية، بل هي نظام اجتماعي واقتصادي متكامل، يحقق التوازن بين أفراد المجتمع، ويقيه من الانهيار الأخلاقي والاجتماعي، ويضمن استمرار الرحمة والتراحم بين الناس، كما أرادها الله تعالى في كتابه المبين.