الرئيس يضع حدًا للخطابات العنصرية والفئوية ويصون وحدة الوطن

في خطوة وُصفت بأنها مفصلية في مسار ترسيخ دولة المواطنة والقانون، أعلن فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، من مدينة انبيكت لحواش، موقفًا صارمًا وواضحًا من كل أشكال الخطاب أو السلوك الذي يمس بوحدة المجتمع أو يهدد انسجامه، مؤكدًا أن الدولة لن تتسامح بعد اليوم مع أي ممارسة تعيد إنتاج الانتماءات الضيقة على حساب الانتماء الوطني الجامع.
وأكد فخامته بلهجة حازمة أن مشاركة الموظفين وأعوان الدولة في أي فعاليات أو أنشطة ذات طابع قبلي أو جهوي أو تمييزي تُعد مخالفة صريحة لقيم الجمهورية ومبادئها، مبرزًا أن رموز الدولة هم القدوة في تكريس روح الانسجام الوطني، ولا يمكن لهم أن يتحولوا إلى أدوات لإحياء الولاءات الضيقة التي تعرقل مسار بناء الدولة الحديثة.
وشدد رئيس الجمهورية على تحريم النزاعات القبلية والعشائرية التي تُثار حول المشاريع والاستثمارات العمومية، مؤكداً أن المصلحة الوطنية يجب أن تعلو فوق كل الاعتبارات، وأن موارد الدولة ملك لجميع المواطنين دون تمييز أو إقصاء. كما أوضح أن الحكومة ستتصدى بحزم لأي دعاية أو خطاب يستند إلى العرق أو القبيلة أو الشريحة، معتبرًا ذلك تهديدًا مباشرًا للسلم الاجتماعي ووحدة الوطن.
وفي هذا الإطار، شدد فخامته على أن وحدة الوطن خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه تحت أي ظرف، مشيرًا إلى أن الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، وخاصة النخب المؤثرة في الرأي العام. ودعا الرئيس المثقفين، والمنتخبين، والوجهاء، والفاعلين السياسيين، والإعلاميين، ومنظمات المجتمع المدني إلى الاضطلاع بدور إيجابي وفعّال في تعزيز ثقافة المواطنة، وتوجيه الخطاب العام نحو ما يخدم تطور البلاد وتماسكها.
وتأتي هذه الرسائل القوية في سياق سعي الدولة لبناء نموذج وطني جديد يقوم على قيم العدالة والمساواة والتعايش السلمي، بعيدًا عن الإرث السلبي للصراعات القبلية والجهوية التي أعاقت التنمية وأضعفت اللحمة الاجتماعية لعقود.
إن إعلان الرئيس من انبيكت لحواش يمثل نقطة تحول حقيقية في مسار تعزيز الدولة الوطنية في موريتانيا، إذ لم يكتف بالتأكيد على المبادئ، بل قرن ذلك بقرارات عملية وصريحة، واضحة التنفيذ، مما يجعل من هذا الخطاب محطة فارقة ستسهم — إذا تم الالتزام بها — في ترسيخ دولة قوية، عادلة، ومتماسكة.
واليوم، يبرز الرهان على تكاتف الجهود بين الدولة والنخب والمواطنين لترسيخ ثقافة الانتماء للوطن أولًا، وجعل الولاء لموريتانيا فوق كل انتماء آخر، حتى تواصل البلاد مسيرتها نحو الاستقرار والتنمية المستدامة.
إن هذه الخطوة لا تمثل مجرد تصريح عابر أو موقف ظرفي، بل تعبّر عن توجه استراتيجي واضح نحو ترسيخ الدولة الحديثة القائمة على القانون والمؤسسات، ويتوقع أن تواكبها حزمة من الإجراءات التنظيمية والإدارية لضمان التطبيق الفعلي على أرض الواقع، خاصة في مجالات الإدارة المحلية، والإعلام، والخطاب العمومي.
ويشكل هذا الموقف الرئاسي رسالة قوية بأن مستقبل موريتانيا لن يُبنى على الانقسامات، بل على الوحدة والتضامن وتكافؤ الفرص، وأن من أراد خدمة وطنه، فعليه أن يجعل الولاء لموريتانيا والمصلحة العامة فوق كل اعتبار شخصي أو فئوي.
أما دعاة الفرقة والتمييز، فقد أصبح خطابهم خارج زمن الدولة الحديثة، ومناقضًا لإرادة الشعب والدولة معًا في بناء وطن جامع لكل أبنائه.
وفي الختام، فإن نجاح هذا المشروع الوطني الطموح مرهون بمدى وعي المواطنين واستجابتهم له، وإدراكهم أن قوة الدول لا تُقاس بتعدد قبائلها أو تنوع أعراقها، بل بقدرتها على تحويل هذا التنوع إلى مصدر ثراء ووحدة وتقدم.
إن موريتانيا اليوم أمام فرصة تاريخية لتعزيز تماسكها الداخلي وصياغة نموذج وطني يحتذى به، فالوطن — كما أكد فخامة الرئيس — أكبر من كل الانتماءات، وأبقى من كل الاعتبارات.
بقلم: تماد إسلم أيديه
كاتبة صحفية وباحثة في الشأن العام
بتصرف …








