ثقافة

الخلافة من العرب إلى غيرهم: بين هولاكو وأمريكا وأوروبا وإسرائيل

لم يكن انتقال الخلافة الإسلامية من العرب إلى غيرهم حدثًا عابرًا في مسار التاريخ الإسلامي، بل جاء نتيجة ظروف معقدة تشابكت فيها المؤامرات الداخلية بالغزوات الخارجية، وتحالف الخيانة بالدمار القادم من الشرق والغرب.

هولاكو وإسقاط بغداد: بداية الانكسار

عندما اجتاح هولاكو المغولي قلب الخلافة العباسية في بغداد عام 656هـ (1258م)، لم يهدم عاصمة الخلافة فحسب، بل هدم رمز السيادة العربية على مقدرات العالم الإسلامي. بمذبحة بغداد الشهيرة، انكسر العرب سياسيًا، لتنتقل لاحقًا زعامة المسلمين إلى المماليك في مصر، ثم إلى العثمانيين الذين جمعوا تحت رايتهم بقايا النفوذ الإسلامي، ولكن بصبغة تركية عثمانية، استمرت قرونًا حتى الحرب العالمية الأولى.

كان هولاكو رمزًا لموجة الغزو القادمة من آسيا الوسطى، تمامًا كما كانت أمريكا وأوروبا الغربية ومعهما إسرائيل رموزًا لموجة الهيمنة الحديثة التي قوضت ما تبقى من وحدة المسلمين. فمثلما هدم هولاكو بغداد ليقيم الخراب، تدخلت قوى الاستعمار الغربي بعد الحربين العالميتين لتصنع دويلات جديدة في الشرق الأوسط وتضع على عروشها عملاء خدموا مشروعها، بدءًا من الشريف حسين الذي وُعِد بعرشٍ لم يقم، مرورًا بأنظمةٍ تأسست على الدعم الغربي، وصولًا إلى التواطؤ مع إسرائيل التي أصبحت قاعدة الغرب المتقدمة في قلب الأمة.

صعود الدول العميلة وولاؤها للغرب

إن الدويلات التي نشأت بعد اتفاقية سايكس بيكو لم يكن لها قرار مستقل، فقد كانت وما تزال مدينةً بوجودها للغرب، الذي منحها حماية خارجية مقابل الولاء التام سياسيًا واقتصاديًا. وظلت هذه الأنظمة، بوعي أو دون وعي، تسهّل للصهاينة تثبيت أقدامهم في فلسطين وتوسيع مشروعهم.

الفرس بين التاريخ والواقع

لكن إذا تأملنا في صفحات التاريخ نجد أن الفرس، الذين طالما كانوا جزءًا أصيلًا من الدولة الإسلامية، قدموا من العلماء والمجاهدين والمصلحين ما لم يقدمه الأتراك ولا غيرهم في أحيان كثيرة. يكفي أن نذكر كبار المحدثين أمثال البخاري ومسلم والترمذي، وكبار الفلاسفة والأطباء والمفسرين، كانوا من فارس، يعملون لرفعة الأمة الإسلامية جمعاء.

واليوم، إنصافًا للتاريخ، لا بد أن نعترف أن إيران ــ رغم ما لها وما عليها من تحفظات سياسية ومذهبية ــ اتخذت مواقف حقيقية في دعم القضايا الكبرى للأمة، وعلى رأسها فلسطين، وواجهت الهيمنة الغربية والصهيونية بصمود يحسب لها. فبينما هرولت دول عربية نحو التطبيع والتبعية، وقفت إيران عقبة أمام مشروع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة.

إيران وقيادة العالم الإسلامي: هل آن الأوان؟

إن كان معيار القيادة في التاريخ الإسلامي يقوم على العلم والجهاد وتحدي الطغيان، فإن لإيران رصيدًا يؤهلها للعب دور مركزي في بعث مشروع إسلامي موحد. وهذا الدور ليس بديلًا عن العرب، بل يجب أن يكون شراكة حقيقية بين العرب والفرس وبقية شعوب الأمة لإحياء وحدة كانت يومًا ما تاجًا على رؤوس الأمم.

إن ما قدّمه الفرس للإسلام في عصور القوة والحضارة، وما يقدمونه اليوم في مواجهة الاحتلال والهيمنة، يفتح الباب واسعًا لإعادة النظر في خرائط الولاء والتحالفات. فإما أن نقف مع مشروع استعادة العزة والسيادة، أو نظل أسرى دويلات صغيرة، يقيم فيها العملاء ويُستثمر فيها النفط لأجل خدمة الغرب وإسرائيل.

خاتمة: إنصاف الماضي لصناعة المستقبل

إن لحظة الإنصاف الحقيقية تقتضي أن نقرأ التاريخ بلا عقد ولا تحيز، وأن نمنح لكل طرفٍ حقه. فلا العرب وحدهم حملوا لواء الإسلام، ولا الأتراك وحدهم حموه، ولا الفرس وحدهم قدموا العلماء، لكن الحقيقة التي لا جدال فيها: أن الأمة اليوم بحاجة إلى وحدةٍ قائمة على شراكة الأقوياء لا تبعية الضعفاء.

لقد آن الأوان أن نراجع أوراقنا: من نقف معه؟ من نعادي؟ ولأي مشروع نمنح ولاءنا؟
إن لم يكن مشروعنا الإسلامي الكبير، فمن إذن؟

زر الذهاب إلى الأعلى