الأخبار العالمية

التطوير المتسارع لدبابة “إم1 إيه3 أبرامز”.. سباق أميركي لمواكبة حروب المسيّرات والتقنيات الحديثة

يمضي الجيش الأميركي بخطى متسارعة نحو إدخال دبابة المعارك الرئيسية الجديدة “إم1 إيه3 أبرامز” إلى الخدمة، في استجابة واضحة للتحولات الجذرية في طبيعة الحروب الحديثة، حيث أصبحت المسيّرات والضربات الدقيقة وأنظمة القتال الرقمية عناصر حاسمة في ميزان القوة. وبعد سنوات من التطوير البطيء، قررت وزارة الدفاع الأميركية إعادة رسم الخطة وتقصير الجداول الزمنية لتسليم النسخة الجديدة من دبابة “أبرامز”، التي تُعد إحدى أبرز أيقونات القوة البرية الأميركية منذ التسعينيات.

ففي عام 2023، تخلّى الجيش الأميركي عن خطط التحسينات الجزئية التي كانت تُجرى على نسخة “إم1 إيه2”، وانتقل إلى مشروع تصميم جديد كليًا، بهدف امتلاك دبابة أخف وزنًا، أكثر ذكاءً، وتتمتع بقدرات رقمية متقدمة تواكب متطلبات ساحة القتال المتغيرة. ووفق التصريحات الرسمية الأخيرة، باتت النسخة الأولية جاهزة للتسليم قبل نهاية العام الحالي، على أن تبدأ التجارب الميدانية في 2026، يليها إنتاج محدود بين 2027 و2028، أي أسرع بكثير من الموعد الذي كان متوقعًا بعد عام 2030.

يأتي هذا التسريع استجابة للواقع العسكري الذي فرضته الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أثبتت الدبابات أهميتها رغم التهديدات الجديدة التي تمثلها الطائرات المسيّرة والذخائر الذكية. فالتجارب الحديثة أكدت أن الدبابات التقليدية باتت بحاجة إلى منظومات حماية نشطة، ومستويات أعلى من التكامل الرقمي، وقدرة أكبر على العمل ضمن شبكة قتال مترابطة بدلاً من كونها منصة مستقلة.

تصميم جديد يراعي التهديدات الحديثة

أعلنت قيادة التعاقدات في الجيش الأميركي خلال يونيو/حزيران عن منح شركة “جنرال دايناميكس” عقدًا بقيمة 150 مليون دولار لتطوير النسخة الجديدة ضمن برنامج هندسة “أبرامز”. ويهدف المشروع إلى دمج أحدث التقنيات في تصميم الدبابة، بما في ذلك:

1. نظام دفع هجين

سيعتمد النموذج الجديد على منظومة هجينة تجمع بين محرك ديزل ومولد كهربائي، بدلاً من المحرك التوربيني العامل بالغاز في النسخ الحالية. هذا التطوير يرفع كفاءة استهلاك الوقود بنحو 40%، ويوفر مدى أطول وتسارعًا أفضل، ويقلل من تعقيد الصيانة مقارنة بالمحركات التوربينية ذات التكاليف المرتفعة.

2. تخفيض الوزن

سينخفض وزن الدبابة إلى قرابة 60 طنًا، أي أخف بنحو 7 أطنان من النسخة الحالية، وأكثر قدرة على التحرك فوق الجسور والتضاريس اللينة، مع بصمة حرارية وكهرومغناطيسية أقل، تجعل رصدها واستهدافها أصعب.

3. طاقم من ثلاثة أفراد فقط

بفضل نظام تلقيم آلي مدمج داخل البرج، سيُستغنى عن دور الملقّم، ليصبح الطاقم مكوّنًا من قائد ومسدّد وسائق فقط. ويتيح التصميم الداخلي الأكثر إحكامًا حماية أكبر للطاقم، على غرار الدبابة الروسية “تي-14 أرماتا” ذات البرج غير المأهول.

حماية نشطة وتكامل مع المسيّرات

تتجاوز فلسفة تصميم “إم1 إيه3” فكرة رفع سماكة الدروع، إذ تعتمد على منظومات حماية نشطة قادرة على اعتراض الصواريخ والقذائف قبل وصولها، مع تقنيات تشويش للتعامل مع التهديدات الجوية الصغيرة مثل المسيّرات. وتشير التوقعات إلى اعتماد منظومات مشابهة لـ“تروفي” و“آيرون فيست” المستخدمتين في دبابات أخرى، مع تحسين قدراتها لمواكبة سرعة تطور المسيّرات الهجومية.

كما ستُزوّد الدبابة بمحطة أسلحة يتم التحكم بها عن بُعد، إضافة إلى القدرة على تشغيل مسيّرات صغيرة مثل “سويتش بلايد” للمهام الاستطلاعية والهجمات الدقيقة، مما يجعل الدبابة جزءًا من شبكة قتال رقمية تتواصل مباشرة مع الطائرات بدون طيار والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي في الوقت الحقيقي.

وستعتمد “إم1 إيه3” بنية إلكترونية معيارية شبيهة بهواتف الجيل الجديد، تسهّل تركيب أنظمة استهداف أو مستشعرات حديثة من دون الحاجة لإعادة تصميم الدبابة بالكامل.

دروس أوكرانيا وإعادة تعريف دور الدبابات

أظهرت حرب أوكرانيا أن قوة الدبابات لا تزال أساسية رغم التطور الهائل في الأسلحة المضادة لها. فالمدن والطرق المحصنة تحتاج إلى قوة نارية مدرعة تتقدم وتوفر غطاء متينًا للمشاة. لكن في المقابل، كشفت الحرب خطورة الاعتماد المفرط على الدروع التقليدية، إذ أصبحت الهجمات من الأعلى، خصوصًا بواسطة المسيّرات، من أكبر نقاط الضعف في تصميمات الدبابات التقليدية.

وأجمع الخبراء العسكريون على أهمية دمج الدبابات ضمن منظومة قتال متكاملة تشمل المسيّرات، ووحدات الاستطلاع، والدفاعات الجوية المحمولة، ومنظومات التشويش. وقد دفع هذا كله الجيش الأميركي إلى تعزيز حماية كبسولة الطاقم وإعداد منظومات اعتراض متقدمة قادرة على مواجهة تهديدات متعددة الاتجاهات.

المنافسة الدولية: روسيا والصين في المشهد

ينظر الجيش الأميركي إلى “إم1 إيه3” باعتبارها حجر الأساس في مواجهة القدرات المتطورة التي تقدمها:

  • الدبابة الروسية “تي-14 أرماتا”
    ذات البرج غير المأهول ومنظومة الحماية النشطة “أفغانيت”، رغم أن إنتاجها محدود ووجودها القتالي الفعلي قليل.
  • الدبابة الصينية من طراز “99” ونسختها الأحدث “100”
    التي تتجه إلى دمج الطائرات المسيّرة فوق الهيكل، في إطار سعي الصين لرقمنة ساحات المعارك.

ورغم التطور الروسي والصيني، يبقى التفوق الأميركي قائمًا في مجال التكامل الرقمي، والبنية المعيارية، ومنظومات الحماية المتقدمة التي ستجعل “إم1 إيه3” منافسًا صعبًا في سباق الجيل الجديد من الدبابات.

في المحصلة، يشير المسار الجديد لتطوير دبابة “إم1 إيه3 أبرامز” إلى إدراكٍ أميركي واضح بأن الحروب تتغير بسرعة، وأن مستقبل الدروع لن يُحسم فقط بسماكة الفولاذ، بل بقدرة الدبابة على الاندماج داخل المنظومات الرقمية، والتصدي للمسيّرات، وحماية طاقمها، وتطوير أدائها باستمرار. إنها محاولة لإعادة تعريف دور الدبابة في عصر الحروب الذكية، حيث يصبح التفوق التقني هو السلاح الأهم.

زر الذهاب إلى الأعلى