ثقافة

التحول الثقافي في المغرب: دراسة نقدية في التراث الشعبي والأدب الشعبي

يشهد مجال الثقافة الشعبية في المؤسسات الأكاديمية بالمملكة المغربية اهتمامًا متزايدًا، مع اتساع نطاق الدراسات التي تتناول ألوانها وأجناسها المتعددة، من فنون وآداب وعادات وتقاليد متوارثة عبر مختلف مناطق البلاد.

وقد لاحظ باحثون ومهتمون أن حقل الثقافة الشعبية في المغرب يشهد تحولًا نوعيًا ملحوظًا، يعكس الاهتمام المتزايد من قبل الطلاب الجامعيين بدراسة التراث الثقافي والشعبي الوطني، مما يؤكد أهمية هذه الثقافة في الوعي الجماعي المغربي.

في كتابه الصادر حديثًا عن معهد الشارقة للتراث بعنوان «التراث الشعبي المغربي: دراسات نقدية في عناصر الأدب الشعبي»، يرصد الباحث المغربي عزيز العرباوي هذا التحول في الاهتمام بالتراث الشعبي، مشيرًا في مقدمة الكتاب إلى أن هذه الثقافة تجاوزت حالة الغرائبية والسخرية التي صاحبتها في السابق، لتصبح محور اهتمام شعبي وأكاديمي جاد، ويتجلى ذلك في الأبحاث المتعددة والندوات الثقافية والإعلامية التي تساهم في نقل الثقافة الشعبية من المنحى الشفاهي إلى أفق الصورة والسماع.

يغطي الكتاب موضوعات متنوعة ضمن الثقافة الشعبية المغربية، منها مفهوم الثقافة الشعبية، الأدب الشعبي وواقعيته، النص الأدبي الشعبي، اللغة العامية كلغة للأدب الشعبي، الأدب الأمازيغي، الأغنية الشعبية ورموزها، أشكال الفرجات التراثية، الألعاب الرياضية التقليدية، الخطاب الحجاجي في الأمثال الشعبية، ودور المرأة في الأمثال، إلى جانب دراسة الشعر الشعبي والزجل والحكاية الشعبية.

يسعى الكتاب إلى تقديم رؤية معمقة حول مفهوم الثقافة الشعبية وخصائصها، مع التركيز على حيويتها وأهميتها كجزء من الهوية الوطنية المغربية. ويرى عزيز العرباوي أن التنوع الثقافي بالمغرب بحاجة إلى المزيد من الدراسات المنهجية والسوسيولوجية التي تسلط الضوء على مظاهر الإنتاج الشعبي التي عانت لفترات من التهميش والاستهانة، قبل أن تتغير الصورة نحو التقدير والاحترام.

يركز الكتاب أيضًا على أشكال التعبير الأدبي الشعبي التي تشمل فنون الحلقة، الأشعار، الأمثال، الحكايات، الألغاز، الحكم، والأساطير، مشيرًا إلى أن هذه الأشكال لم تحظ بعد بالدراسة المنهجية الكافية التي ترفعها إلى مستوى إسهامات ثقافية ذات قيمة في تعزيز الثقافة الوطنية والشخصية المغربية.

ويؤكد الكتاب أن الثقافة الشعبية، كمجموعة مكتسبة من القيم والمفاهيم، تشكل إطارًا للسلوكيات والهوية الإنسانية، وتنتقل عبر الأجيال متجددة ومتطورة، مما يجعل الإنسان «سجينًا لتراثه» لا ينفصل عنه، لكنه قادر على مزج التراث العريق مع عناصر الحداثة والتقنية والابتكار، مما يضمن استمرارية التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.

يشير عزيز العرباوي إلى أن الثقافة الشعبية المغربية تعيش في حالة تجدد مستمر، تعكس حركية المجتمع وديناميته، كما تؤكد دراسة الكتاب على دور الأدب الشعبي في حفظ وصياغة الأساطير والخوارق التي تشكل جزءًا أصيلاً من التراث الثقافي.

ويُعد عزيز العرباوي كاتبًا وباحثًا مغربيًا متخصصًا في الأدب والتراث العربي، وله العديد من المؤلفات التي تتناول التراث والفكر العربي والإسلامي، منها «تجليات التراث في الفكر العربي والإسلامي: الجابري وأركون نموذجا» و«رمزية الماء في التراث الشعري العربي»، إلى جانب دراسات سردية وتحليلية في الأدب النسوي والرواية.

زر الذهاب إلى الأعلى