البيروقراطية الإدارية وآثارها على استقرار وتنمية الدولة الموريتانية

تُعد الإدارة العمومية مرآة الدولة، ووسيطها المباشر مع المواطنين، وأداة تنفيذ السياسات العمومية. غير أن تفشي البيروقراطية المفرطة، والتعامل غير الإنساني مع المراجعين، وتفشي ثقافة “التزكية” من النافذين للوصول إلى المسؤولين، كلها مظاهر تُنذر بمخاطر جسيمة على استقرار الدولة وديمومتها. في موريتانيا، ورغم التوجيهات المتكررة من فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لتقريب الإدارة من المواطن، ما تزال الممارسات الميدانية تُظهر فجوة مقلقة بين التوجيه والتطبيق.
1. مظاهر البيروقراطية والتمييز في الإدارة الموريتانية:
يشتكي المواطن البسيط من معاناة مريرة في مراجعته للوزارات والإدارات المركزية، حيث يُمنع من مقابلة المسؤولين إلا بعد المرور عبر شبكات النفوذ و”التزكية”. في المقابل، يحظى “المقربون” من المسؤولين باستقبال فوري وامتيازات لوجستية واضحة. هذا التفاوت يُولد شعورًا بالظلم، ويفقد المواطن الثقة في مؤسسات الدولة، ويُكرّس ممارسات الزبونية والمحسوبية.
2. التأثيرات على ديمومة الدولة:
- فقدان الشرعية: حين يشعر المواطن أنه غريب في وطنه ولا تُحترم حقوقه، يبدأ في التشكيك بشرعية الدولة ومؤسساتها، مما يهدد اللحمة الوطنية.
- ضعف الثقة في الإصلاح: غياب تفاعل حقيقي من المسؤولين مع توجيهات رأس الدولة يؤدي إلى انهيار ثقة المواطن في أي إصلاحات مقترحة مستقبلًا.
- تنامي الفساد المؤسسي: حين تُستبدل الكفاءة بالولاء، وتُغلق الأبواب أمام المواطن البسيط، يصبح الفساد جزءًا من الهيكل الإداري، مما يعيق التنمية ويُهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
- احتمال الاحتقان الاجتماعي: تراكم مشاعر التهميش واللاعدالة قد يُفضي إلى ردود فعل شعبية غير متوقعة، ويُشكل تهديدًا مباشرًا للسلم المدني.
3. الحلول المقترحة:
- فرض آليات صارمة للمساءلة الإدارية: يجب مراقبة سلوكيات المسؤولين العموميين يوميًا، وضمان التزامهم باستقبال المواطنين دون تمييز.
- إصلاح جذري في ثقافة الإدارة: تعزيز قيم الخدمة العمومية، وتكوين المسؤولين على مبادئ العدالة الإدارية والمساواة في التعامل.
- رقمنة الخدمات الإدارية: لتقليص الاحتكاك المباشر الذي يُستغل في الابتزاز، ينبغي تسريع رقمنة الوثائق والإجراءات.
- تفعيل الرقابة الشعبية والإعلامية: فتح المجال للمجتمع المدني والإعلام لفضح هذه الممارسات والمطالبة بتصحيحها بشكل شفاف.
خاتمة:
تظل الإدارة العمومية أحد أعمدة بقاء الدولة واستقرارها. فإذا اختلت علاقة المواطن بها، اختل الإحساس بالانتماء، وتزعزعت الثقة في المؤسسات. إن الاستهانة بمعاناة المواطن، وعدم احترام توجيهات القيادة العليا، لا يشكل فقط خطرًا على الحاضر، بل يهدد مستقبل الدولة برمّته. عليه، فإن المراجعة الجادة والعاجلة للسلوك الإداري في موريتانيا ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية لضمان ديمومة الدولة واستمرار مشروعها الوطني.
التحرير