الإتحاد الإفريقي: من التأسيس إلى الحلم بقارة ناهضة

شهدت القارة الإفريقية تحولات كبرى منذ منتصف القرن العشرين، كان أبرزها السعي نحو التحرر والوحدة، وتجسيد هذا الحلم في كيان إقليمي عابر للحدود عرف لاحقًا باسم الاتحاد الإفريقي. فمنذ تأسيسه إلى اليوم، مثّل الاتحاد ساحة للنقاشات الكبرى حول مستقبل القارة، أدوارها الإقليمية والدولية، وإمكاناتها في تحقيق نهضة شاملة تضع إفريقيا في مصاف القوى المؤثرة عالميًا.
تعود بداية العمل الجماعي الإفريقي إلى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 25 مايو 1963 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وكان الهدف منها دعم حركات التحرر من الاستعمار، وتنسيق المواقف بين الدول الأعضاء. قاد هذه المنظمة قادة بارزون أمثال هايله سيلاسي (إثيوبيا)، وجمال عبد الناصر (مصر)، وكوامي نكروما (غانا)، وجوليوس نيريري (تنزانيا)، الذين رأوا في الوحدة وسيلة لبناء مستقبل مستقل وقوي للقارة.
لكن مع مرور الزمن، بدت منظمة الوحدة عاجزة عن مواكبة التحديات السياسية والاقتصادية المتغيرة، مما دفع القادة الأفارقة إلى تطويرها إلى شكل أكثر فعالية. وهكذا تم الإعلان عن الاتحاد الإفريقي رسميًا في 9 يوليو 2002 في ديربان، جنوب إفريقيا، خلفًا للمنظمة القديمة، مع طموحات أوسع تماثل الاتحاد الأوروبي من حيث الهيكل والفاعلية.
القيادة: من رموز التحرر إلى دبلوماسية الحداثة
ترأس الاتحاد شخصيات بارزة ساهمت في توجيه بوصلته.
من هؤلاء:
ثابو مبيكي (جنوب إفريقيا): أحد أبرز دعاة “النهضة الإفريقية”، وقد قاد جهودًا للوساطة في نزاعات مثل دارفور.
معمر القذافي (ليبيا): رغم الجدل الكبير حوله، كان من أكبر الداعين لفكرة “الولايات المتحدة الإفريقية”.
ألفا عمر كوناري (مالي): شغل رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي (2003–2008)، وركز على تعزيز الحكم الرشيد.
- نكوسازانا دلاميني زوما (جنوب إفريقيا): أول امرأة تترأس مفوضية الاتحاد، عملت على إصلاح الجهاز البيروقراطي للاتحاد.
أما حاليًا، فيقود الاتحاد الرئيس الرئيس الأنغولي الي تسلم المشعل خلفا للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي قاد الإتحادمن فبراير 2024حتى فبراير 2025 كرئيس دوري، بينما يشغل موسى فقي محمد (تشاد) منصب رئيس المفوضية منذ 2017، وهو شخصية دبلوماسية تسعى لتعزيز الدور الإفريقي في السياسة الدولية.
من الناحية النظرية، يمتلك الاتحاد الإفريقي مقومات التكتل الإقليمي القوي:
الثروات الطبيعية: تمتلك إفريقيا نحو 30% من احتياطيات الموارد الطبيعية في العالم، من الذهب إلى النفط إلى الكوبالت.
- الكتلة السكانية: مع أكثر من 1.4 مليار نسمة، تمثل إفريقيا سوقًا واعدة وقوة ديموغرافية متزايدة.
ومع ذلك، فإن التحديات البنيوية — من ضعف البنية التحتية إلى الفساد والصراعات المسلحة — لا تزال تحدّ من قدرات الاتحاد على تحويل هذه المقومات إلى نهضة فعلية.
هل يستطيع الاتحاد حل النزاعات وفرض الحلول؟
رغم التقدم الذي أحرزه الاتحاد في آليات فض النزاعات، مثل مجلس السلم والأمن وقوات حفظ السلام الإفريقية، فإن قدرته على التدخل الحاسم تبقى محدودة لأسباب عدة:
نقص التمويل: يعتمد الاتحاد في تمويل جزء كبير من عملياته على الدعم الخارجي، خاصة من الاتحاد الأوروبي والصين.
تباين الإرادات السياسية بين الدول الأعضاء، حيث لا تتوحد المواقف بسهولة، ما يُضعف من فاعلية القرارات.
- تأثير القوى الأجنبية: تدخلات القوى الكبرى تعقّد من فرص الحلول الإفريقية البحتة.
رغم ذلك، سُجّلت نجاحات نسبية، مثل الوساطة في السودان، والتدخل في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، ومحاولة حل النزاع الإثيوبي-الإريتري.
يبقى الاتحاد الإفريقي حلمًا إفريقيًا نبيلًا، لكنه لم يبلغ بعد مرحلة الكيان القوي القادر على تمثيل مصالح القارة بفاعلية في الساحة الدولية أو إنهاء أزماتها المتعددة. ولتحقيق نهضة حقيقية، يحتاج الاتحاد إلى إرادة سياسية موحدة، إصلاحات مؤسسية عميقة، وتمكين الشعوب الإفريقية من المشاركة في صنع القرار.
فإذا توفرت هذه الشروط، يمكن أن تشهد إفريقيا أخيرًا تحولًا تاريخيًا يجعلها قوة عالمية يحسب لها ألف حساب، لا مجرد ساحة صراع أو تكتل شكلي.