ثقافة

الإنقسام المذهبي لا يبرر الاصطفاف مع أعداء الملة والحضارة

لم يكن الدين الإسلامي يوماً ميداناً لتفريق الأمة ولا ساحةً لتبادل العداء بين أبنائها، بل كان وما زال دعوةً للوحدة والتآلف أمام الأخطار المحدقة بهم. ومع ذلك، يصرّ بعضنا على جعل الانتماء المذهبي شماعةً يعلّقون عليها مواقفهم في الاصطفاف ضد إخوتهم، ولو أدى ذلك إلى الوقوف في صف ألد أعداء الملة والحضارة.

إننا إن كنا حقاً متمسكين بديننا الحنيف وبإرثنا الحضاري الذي صنع مجداً عجزت أمم الأرض عن تحطيمه بالكامل، فهل يليق بنا أن نمد يد العون لمن يسعى لتدمير إخوتنا في الدين والحضارة لمجرد أنهم يختلفون معنا مذهبياً؟ أليس من الأجدر – إن كنّا عقلاء – أن ننسق الصفوف معهم ونواجه العدو المشترك، ثم نعود لاحقاً إن شئنا إلى مناقشة خلافاتنا الفكرية والمذهبية التي لم ولن تبرر أبداً خيانة الوحدة الكبرى؟

إن الانشغال بالخلافات الصغيرة على حساب التحديات الكبرى يدل بلا ريب على انسفال الهمم وانحدار القيم وتضييع بوصلة الأولويات. وما أسهل أن يلتقط الأعداء هذا الوهن فينا فيجعلونا أداةً رخيصةً لتنفيذ مخططاتهم!

لو لم يستشعر الغرب وهننا وتشتتنا لما تجرأ على توظيفنا لخدمة أجنداته القذرة، ولما استغل ثروات أرضنا ليطور بها صناعته ويعمّق تفوقه العلمي والتكنولوجي، وهو تفوق يوجهه اليوم أساساً لتدجيننا وإبقاء أجيالنا أسيرةً للتبعية والتخلف.

إن اللحظة الراهنة تدعونا لأن نسمو على الخلافات ونعيد ترتيب صفوفنا في مواجهة من يتربصون بأمتنا شراً، فلا مكان للخيانة المقنعة بعباءة المذهب، ولا مبرر لمن يتذرع بالدين ليكون عوناً للغزاة. الأمة بحاجة اليوم إلى وحدة كبرى تتجاوز تفاصيل الفرقة وتسترجع روح الحضارة والكرامة التي يحاولون انتزاعها منا بكل وسيلة ممكنة.

ختاماً: لن يحمينا الانقسام، ولن يحقق لنا السلام من اصطفّ مع العدو ضد أخيه، بل إن القوة في الوحدة، والنجاة في التآلف، والنصر حليف من عرف عدوه الحقيقي قبل أن يوجّه سهامه إلى صدر شقيقه في الملة والحضارة.

حمادي سيدي محمد آباتي

زر الذهاب إلى الأعلى