اقتصاد

الألمنيوم.. المعدن الرمادي الذي يقود الاقتصاد العالمي من خلف الكواليس

بينما تتجه الأنظار نحو النحاس والمعادن النادرة، ينهض الألمنيوم باعتباره القوة الصامتة التي تدعم الاقتصاد العالمي. فالمعدن الذي كان يومًا ما من أثمن المواد في العالم أصبح اليوم أحد أعمدة الصناعة الحديثة، يدخل في كل شيء تقريبًا: من الطائرات والهواتف المحمولة إلى السيارات الكهربائية والأجهزة المنزلية.

وتقدّر قيمة الاستهلاك السنوي للألمنيوم بنحو 300 مليار دولار، ليكون ثاني أكثر المعادن غير الحديدية استخدامًا بعد الفولاذ، وفق تقرير للكاتب خافيير بلاس في وكالة بلومبيرغ.

طاقة هائلة وصعود صيني مهيمن

يُوضح بلاس أن إنتاج الألمنيوم يستهلك كميات ضخمة من الكهرباء، تعادل استهلاك خمسة منازل ألمانية خلال عام كامل لإنتاج طن واحد فقط، ولهذا يُوصف بأنه “كهرباء صلبة”.

وقد لعبت أسعار الطاقة المنخفضة الناتجة عن اعتماد الصين على الفحم دورًا حاسمًا في تمكينها من تلبية الطلب العالمي المتزايد طوال ربع قرن. فارتفع إنتاجها من 6 ملايين طن إلى أكثر من 43 مليونًا، مقتربة الآن من سقفها الإنتاجي البالغ 45 مليون طن، وهو ما يثير مخاوف من نقص الإمدادات مستقبلًا.

ومع تراجع إنتاج أوروبا بفعل ارتفاع أسعار الكهرباء، انخفض المعروض العالمي وارتفعت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ 3 سنوات، مقتربة من 2900 دولار للطن. ويرجّح محللون أن يصل السعر إلى 4 آلاف دولار خلال عامين إذا استمرت الضغوط الحالية على جانب الإنتاج.

إندونيسيا لاعب جديد يعيد تشكيل السوق

يشير التقرير إلى أن إندونيسيا دخلت المشهد بقوة، لتصبح مركزًا رئيسيًا لصناعة الألمنيوم بفضل الاستثمارات الصينية الضخمة من شركات مثل هونغكياو وشاندونغ نانشان. ومن المتوقع أن يرتفع إنتاجها خمسة أضعاف بحلول 2030، ما سيجعلها رابع أكبر منتج عالميًا بعد الصين والهند وروسيا.

كما تعمل شركات صينية على إنشاء مصاهر جديدة في أنغولا تعتمد على الطاقة الكهرومائية، بهدف تجاوز أي قيود مستقبلية قد تواجهها داخل الصين.

لكن الكاتب يؤكد أن التجربة الإندونيسية ما تزال محفوفة بالتحديات؛ فتكلفة البناء هناك أعلى مما هي عليه في الصين، كما أن التطور التقني لا يتقدم بالوتيرة نفسها. وبذلك، لن تتمكن إندونيسيا من تعويض الدور الصيني بالكامل، لكنها ستساعد في تحقيق توازن نسبي في الإمدادات.

سوق عند نقطة تحوّل

يحذّر بلاس من أن الصين قد تلجأ إلى تخفيف القيود على الإنتاج أو تقديم استثناءات تنظيمية لزيادة الإنتاج قليلًا، وهو ما قد يؤجل أزمة المعروض دون أن يضع لها حلًا جذريًا.

ومع استمرار انخفاض المخزون العالمي من الألمنيوم إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من عقد، يرى بلاس أن العالم يقف أمام ثلاثة خيارات رئيسية:

  1. ارتفاع كبير في الأسعار بما يؤثر على وتيرة النمو الاقتصادي.
  2. تعميق الاعتماد العالمي على الصين في صناعة الألمنيوم.
  3. ارتفاع معتدل إذا نجحت إندونيسيا في توسيع إنتاجها بدرجة تكفي لسد جزء من الفجوة.

ويختتم الكاتب مؤكدًا أن الألمنيوم هو “المعدن الرمادي الذي يدفع عجلة الاقتصاد العالمي”، ليس لندرة ما فيه أو لجاذبيته، بل لأنه المادة الأساسية التي تُبنى عليها تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين وصناعته، من الطائرات والسيارات الكهربائية إلى شبكات البنى التحتية المستقبلية.

زر الذهاب إلى الأعلى