رأي آخر

الأجانب ومبادرة الرئيس للحوار الوطني الشامل: قراءة تحليلية


بقلم /سيدي ولد محمدفال/ بتصرف…

في الآونة الأخيرة، طغى موضوع المهاجرين غير النظاميين على الساحة الوطنية، متصدرًا اهتمامات الدولة والمجتمع، وسط تزايد المخاوف من تداعيات الهجرة غير الشرعية، واستغلال بعض القوى السياسية والإعلامية لهذا الملف الحساس، بما يخدم أجنداتها الخاصة.

لقد تعامل نظام الرئيس محمد الشيخ الغزواني، وحكومته، مع إشكالية الأجانب بفاعلية واتزان، إدراكًا منهم لحجم المخاطر التي تتهدد السلم الاجتماعي وأمن البلاد. وجاءت ردود الحكومة المتكررة واضحة وحاسمة، لقطع الطريق أمام حملات التهويل والفزع التي تسعى بعض قوى الفساد والفتنة إلى بثها داخل المجتمع، مستغلة الأوضاع الإقليمية والضغوط الخارجية.

لا جدال في أن تدفق الأجانب غير النظاميين وانتشارهم العشوائي يشكل تهديدًا جديًا لأمن الدولة واستقرار المجتمع. وقد أظهرت السلطات الموريتانية وعيًا كاملًا بحجم التحديات المرتبطة بالهجرة غير الشرعية، وأثبتت قدرتها على معالجتها وفق مقتضيات المصلحة الوطنية، واحترامًا للالتزامات الدولية للبلاد.

جذور القضية وتطوراتها

في بداية الأمر، ارتبط موضوع الأجانب باتفاقية تنظيم الهجرة الموقعة بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي. وقد أثارت الاتفاقية حينها ملاحظات واعتراضات من بعض القوى السياسية، غير أن الجهات المختصة قامت بطمأنة الرأي العام الوطني عبر توضيحات دقيقة، أسهمت في تهدئة الساحة مؤقتًا.

غير أن الموضوع عاد للواجهة بقوة، مع ضبط مجموعات من اللصوص الأجانب المتسللين عبر الحدود، لتبدأ موجة من الدعاية الإعلامية والسياسية، التي استغلتها بعض المنظمات السياسية والحقوقية، مترافقة مع حملات استفزازية ذات طابع عرقي وسياسي.

ومن المؤسف أن يتم خلط هذا الملف الأمني الخطير بقضايا أخرى حساسة كالتجنيس وإحصاء المواطنين، وهو خلط يفتقر إلى الحكمة والموضوعية، ويفتح المجال أمام حملات التشكيك والضبابية التي تسعى بعض الأطراف إلى فرضها.

السياق السياسي وتأثيره على الحوار الوطني

يأتي تصاعد هذه الحملات في وقت يتهيأ فيه المشهد الوطني لإطلاق الحوار الشامل الذي دعا إليه الرئيس محمد الشيخ الغزواني، مبادرةً طوعية في ظل أوضاع سياسية مستقرة نسبيًا، ودون وجود أزمة ملحة تفرضه.
لقد عبّر الرئيس من خلال مبادرته عن حرصه على ترسيخ ثقافة المواطنة وتعزيز الوعي السياسي، بما يتناغم مع آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تنشدها الدولة.

وفي هذا الإطار، تبدو محاولات بعض القوى الفئوية والعرقية دفع قضايا الهجرة والتجنيس إلى صدارة المشهد محاولة مكشوفة لفرض أجندات ضيقة على مجريات الحوار الوطني، وإرباك المسار التنموي للدولة.

توصيات وآفاق مستقبلية

إن من الضروري التنبيه إلى أن قضايا الهوية والدستور والسيادة الوطنية يجب أن تبقى خارج دائرة النقاش في الحوار الوطني.
فهي قضايا سيادية، تتولى السلطات الدستورية مسؤولية حمايتها، ولا ينبغي فتحها لمزايدات سياسية من شأنها المساس بوحدة الدولة واستقرارها.

بالمقابل، يجب أن يفتح الحوار الوطني مجالات واسعة للنقاش الاجتماعي والسياسي والثقافي، وأن يعزز الهوية الوطنية الجامعة، ويناقش سبل تحقيق تنمية شاملة وعادلة تكافح الفقر والبطالة والفساد، وتوطد روح المواطنة والانتماء لدى جميع الموريتانيين، بمختلف مكوناتهم.

خاتمة

الشعب الموريتاني، بكل أطيافه ومكوناته، أثبت عبر تاريخه تمسكه بوحدته الوطنية واستعداده الدائم للدفاع عن أمنه واستقراره.
وفي مواجهة محاولات التشويش والإرباك، تبقى المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، ويتعين على جميع القوى الحية العمل على إنجاح الحوار الوطني المرتقب، بوصفه فرصة تاريخية لتعزيز السلم الاجتماعي، وترسيخ المسار الديمقراطي، وتدعيم آفاق التنمية.

حفظ الله موريتانيا وشعبها.


زر الذهاب إلى الأعلى