اقتصاد

اكتشافات غازية واعدة بالأردن تعزز آمال الوصول للاكتفاء الذاتي

يشهد قطاع الطاقة في الأردن تحوّلاً إستراتيجيًا في ظل اكتشافات واعدة بحقل غاز الريشة شمال شرقي المملكة، مما يعزز الآمال في تقليص الاعتماد على الواردات الخارجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الغاز الطبيعي، في وقت تواجه فيه المملكة ضغوطًا اقتصادية متزايدة ناجمة عن ارتفاع كلفة استيراد الطاقة.

ويُعد حقل الريشة أحد أقدم الحقول في البلاد، إذ اكتُشف عام 1986 وبدأ الإنتاج فيه بعد ثلاث سنوات، ويقع في محافظة المفرق على الحدود مع العراق. وتشير المعطيات الأخيرة إلى وجود احتياطيات غازية كبيرة قد تُحدث نقلة نوعية في موازين الطاقة الأردنية.

عبء الطاقة على الاقتصاد الأردني

يُشكّل قطاع الطاقة أحد أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن، حيث تستورد المملكة نحو 76% من احتياجاتها من الخارج، ما يُثقل كاهل الميزانية بنسبة تقارب 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وسط تقلبات أسعار النفط والغاز عالميًا.

وفي ظل هذه التحديات، تعوّل الحكومة الأردنية على الاكتشافات الجديدة في حقل الريشة لإحداث تحول حقيقي، حيث أظهرت عمليات التنقيب والتطوير الأخيرة وجود كميات تجارية من الغاز، تُقدّر بأنها قد تُغطي احتياجات المملكة لعقود قادمة.

إمكانات واعدة وتوسّع في التنقيب

كشف مصدر مسؤول في قطاع الطاقة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن الاكتشافات الأخيرة تمت بسواعد أردنية بالكامل، وتؤسس لمرحلة جديدة من الاعتماد على الذات في مجال الغاز الطبيعي. وأضاف أن التوسّع في الدراسات الجيولوجية وتقنيات الحفر الحديثة أظهر مكامن جديدة قابلة للاستغلال التجاري.

وتشير ورقة سياسات صادرة عن منتدى الإستراتيجيات الأردني إلى أن تطوير الحقل يمكن أن يُلبي بحلول عام 2030 نحو 60% من احتياجات الأردن من الغاز، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويمهّد لتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الكهرباء والصناعات المرتبطة به.

وبحسب الورقة، تبلغ القدرة الإنتاجية الحالية لحقل الريشة نحو 62 مليون قدم مكعب يوميًا، يُستهلك منها حاليًا ما بين 16 و20 مليون قدم مكعب فقط.

خطط تطوير طموحة حتى 2030

تستهدف الخطة الحكومية رفع القدرة الإنتاجية للغاز إلى 418 مليون قدم مكعب يوميًا بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي يقدّر بـ 40% بين عامي 2025 و2030. ويُتوقع أن يُسهم هذا التوسع في تغطية جزء كبير من احتياجات الصناعات المحلية، إلى جانب دعم إنتاج الكهرباء محليًا.

وتتضمن الخطة حفر 80 بئرًا غازية خلال السنوات الثلاث المقبلة، بتمويل حكومي جزئي يقدّر بنحو 87 مليون دينار أردني، على أن يتم تغطية بقية التكاليف من عوائد الغاز. وقد طرحت شركة البترول الوطنية مؤخرًا مناقصة لتأهيل المقاولين ضمن نظام “تسليم المفتاح”.

ربط الحقل إقليميًا وخطط للتعاون

في سياق متصل، ناقش وزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة مع نظيره المصري كريم بدوي مشروع ربط حقل الريشة بشبكة الغاز العربي من خلال خط بطول 300 كيلومتر، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي وتبادل الخبرات في مجال الاستكشاف والتطوير.

وتُقدّر وزارة الطاقة والثروة المعدنية الاحتياطي الكلي لحقل الريشة بنحو 11.99 تريليون قدم مكعب، مع إمكانية استخراج نحو 4.675 تريليونات قدم مكعب، وهو ما يمثل نحو 39% من الاحتياطي، وفق تقديرات تراوح بين 2.835 تريليون كحد أدنى و6.35 تريليونات كحد أقصى.

أثر اقتصادي وتنموي واسع

الخبير الاقتصادي حسام عايش يرى أن الغاز المكتشف في الريشة قد يغيّر المعادلة الاقتصادية للمملكة، من خلال تقليص كلفة الطاقة السنوية التي تتجاوز 7 مليارات دولار، وخفض عجز الميزانية، وتقليل الدين العام، والحد من الاقتراض الخارجي والداخلي.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الإدارة الرشيدة لموارد الغاز من شأنها تعزيز الإنتاج الصناعي وتوفير الكهرباء بتكاليف أقل، فضلًا عن توفير فرص عمل وتنشيط النمو في المناطق المحيطة بالحقل.

وشدد على أن الاعتماد على مصادر محلية آمنة كحقل الريشة ضروري، خاصة في ظل تقلبات إمدادات الغاز من الخارج، كما حدث مؤخرًا مع خفض إسرائيل لصادراتها إلى مصر، ما يدفع الأردن نحو سياسة طاقة أكثر استقلالية واستدامة.

خاتمة: نحو مستقبل طاقي مستدام

في ظل هذه الاكتشافات، تبرز أهمية استثمارها بالشكل الأمثل لتحقيق أهداف التنمية الشاملة في الأردن. ويبدو أن حقل الريشة بات يمثل ركيزة إستراتيجية لتعزيز أمن الطاقة الوطني ودفع عجلة الاقتصاد نحو مسار أكثر استقرارًا واستقلالًا.

زر الذهاب إلى الأعلى