اعتقال إمام أوغلو.. صراع سياسي أم محاكمة فساد؟

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخليًا ودوليًا، أوقفت السلطات التركية، يوم الأربعاء، أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وأحد أبرز وجوه المعارضة، على خلفية اتهامات تتعلق بالفساد المالي والتعاون مع جماعة تصنفها أنقرة “إرهابية”، مما أعاد فتح ملف التوتر السياسي بين الحكومة والمعارضة.
ويعد إمام أوغلو أحد أبرز قيادات حزب الشعب الجمهوري المعارض، ومرشحًا محتملًا للرئاسة في مواجهة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، في انتخابات عام 2028، ما يمنح القضية أبعادًا تتجاوز الطابع القضائي إلى ساحة الصراع السياسي الحاد في البلاد.
من هو إمام أوغلو؟
وُلد أكرم إمام أوغلو عام 1971 في مدينة طرابزون المطلة على البحر الأسود، ودرس إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول. قبل ولوجه إلى معترك السياسة، عمل في شركة الإنشاءات العائلية، ثم انضم إلى حزب الشعب الجمهوري عام 2008.
برز اسمه حين تولى رئاسة بلدية “بيليك دوزو” بإسطنبول عام 2014، قبل أن يحقق فوزًا تاريخيًا في انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019، موجهًا بذلك ضربة موجعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ورغم إلغاء فوزه الأول، عاد وفاز في الإعادة بفارق أكبر، ونجح مجددًا في الاحتفاظ بمنصبه خلال انتخابات 2024.
الإتهامات الموجهة له
الادعاء العام في إسطنبول وجه إلى إمام أوغلو سلسلة من التهم، أبرزها “تشكيل منظمة إجرامية” و”التلاعب بالمناقصات” و”الارتباط بجماعة إرهابية”، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني المحظور. كما تم فتح تحقيق منفصل ضده وضد ستة آخرين بشأن تقديم “دعم غير مباشر” لهذه الجماعة.
الحزب الحاكم برئاسة أردوغان نفى أن تكون لهذه الاتهامات دوافع سياسية، بينما وصفها حزب الشعب الجمهوري بأنها “محاولة مكشوفة لإزاحة منافس قوي عبر القضاء”، متهمًا السلطات بـ”التحايل على الإرادة الشعبية”.
وما زاد من حدة الأزمة، قيام جامعة إسطنبول هذا الأسبوع بإلغاء شهادة تخرج إمام أوغلو، بدعوى “عدم استيفائه الشروط الأكاديمية”، وهو ما قد يعقد فرص ترشحه للرئاسة مستقبلاً، في حال صادق القضاء على القرار.
المفارقة أن المسار السياسي لإمام أوغلو يحمل تشابهًا لافتًا مع مسيرة أردوغان، فكلاهما ترأس بلدية إسطنبول، وينحدران من منطقة البحر الأسود، وواجه كل منهما تحديات قضائية هددت مستقبله السياسي. وقد أشار إمام أوغلو إلى هذه الصلة قائلاً: “أردوغان أكل كرات اللحم في مطعمي ذات يوم… لن أدعه يدفع الفاتورة الآن، ولا لاحقًا”، في تذكير رمزي بصراع طويل ومتشعب.
ردود الشارع والسلطات
إمام أوغلو، الذي ظهر في تسجيل مصوّر نشره عبر منصة “إكس”، تعهد بمواصلة النضال قائلاً: “لن أستسلم”. في المقابل، فرضت سلطات إسطنبول حظرًا مؤقتًا على التظاهرات والاحتجاجات في المدينة لأربعة أيام، وسط توتر متزايد في الأوساط السياسية والشعبية.
بين القانون والسياسة
يضع اعتقال إمام أوغلو تركيا أمام اختبار جديد لمصداقية مؤسساتها القضائية والديمقراطية. وفيما يرى أنصاره أن القضية محاولة سياسية لإبعاده عن المنافسة، تعتبرها الحكومة إجراءً قانونيًا بحتًا.
وفي ظل هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى مستقبل إمام أوغلو وإلى ما إذا كانت هذه التهم ستُنهي طموحه الرئاسي، أم ستمنحه زخماً جديداً في الشارع التركي الساعي إلى التغيير.