اتفاق تجاري جديد بين كابل وإسلام آباد يمنح المزارعين الأفغان أملاً في إنعاش الزراعة

في قرية نائية بمديرية كلكان شمالي العاصمة كابل، يتجول المزارع حاجي رحيم الله بين حقول العنب التي سهر على زراعتها طوال العام، مراقباً بعين الرضا نضج الثمار تحت أشعة الشمس. يقول بأسى: “كنت أخشى أن يذهب جهد الموسم سدى بسبب إغلاق المعابر الحدودية”، مسترجعًا ذكريات المواسم التي خسر فيها محاصيله نتيجة القيود التجارية المفروضة من باكستان.
لكن بصيص أمل جديد بدأ يلوح في الأفق مع توقيع اتفاق تجاري تفضيلي بين أفغانستان وباكستان، يفتح أمام المزارعين أبواباً جديدة لتصدير منتجاتهم الزراعية إلى الأسواق الباكستانية برسوم جمركية مخفضة.
مضامين الاتفاق الجديد
الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في 23 يوليو/تموز 2025 خلال زيارة رسمية لوفد أفغاني إلى إسلام آباد برئاسة نائب وزير الصناعة والتجارة أحمد الله زاهد، ينص على خفض الرسوم الجمركية على أربعة محاصيل زراعية أفغانية رئيسية هي العنب، التفاح، الرمان، والطماطم من 60% إلى 27%. وفي المقابل، تستورد أفغانستان أربعة منتجات باكستانية بذات الامتيازات، وهي: الموز، المانغا، البطاطس، والبرتقال.
وقال المتحدث باسم وزارة الصناعة والتجارة الأفغانية، عبد السلام جواد آخوندزاده، إن الاتفاق يهدف إلى “تعزيز العلاقات الاقتصادية الإقليمية وتمكين المزارعين الأفغان من الوصول إلى أسواق أوسع، مما يدعم اقتصاد البلاد ويخلق فرص عمل جديدة”.
ارتفاع ملحوظ في حجم التبادل التجاري
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في السنة المالية 2024/2025 نحو 1.998 مليار دولار، بزيادة قدرها 25% عن العام السابق. وبلغت صادرات باكستان إلى أفغانستان 1.391 مليار دولار، في حين بلغت صادرات أفغانستان 607 ملايين دولار، معظمها من الفواكه الطازجة والفحم والقطن الخام.
وفي أبريل 2025 فقط، ارتفع حجم التجارة بنسبة 23% مقارنة بالشهر الذي سبقه، في مؤشر واضح على التعافي التدريجي للعلاقات التجارية.
آمال وتوقعات بنمو القطاع الزراعي
الزراعة تشكّل العمود الفقري للاقتصاد الأفغاني، إذ تسهم بنسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر فرص عمل لحوالي 60% من السكان. ويأمل خبراء الاقتصاد أن يؤدي الاتفاق إلى نمو الإنتاج الزراعي بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15% خلال العامين المقبلين، بدعم من زيادة الطلب الباكستاني وتحسين تقنيات الزراعة.
ويتوقع أيضاً أن يشهد إنتاج محاصيل مثل الفستق، اللوز، الجوز، وجوز الصنوبر طفرة جديدة، إلى جانب البطاطس في منطقة باميان، التي تنتج سنوياً ما بين 140 و170 ألف طن.
فرص اقتصادية للشباب الريفي
الاتفاق الجديد قد يكون بمثابة طوق نجاة للشباب في المناطق الريفية، حيث يُتوقع أن يسهم في توفير وظائف في مجالات الحصاد، التعبئة، النقل، وسلاسل التوريد. ويرى المزارع حاجي رحيم الله أن “الاتفاق يعزز الأمل بأن يجد أبنائي فرص عمل هنا في القرية، دون الحاجة للهجرة بحثًا عن مصدر دخل”.
وأكد عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والاستثمار الأفغانية، خان جان الكوزي، أن “الاتفاق سيُعيد الروح للقطاع الزراعي ويوفر فرصًا حقيقية للشباب، ويساعد في الحد من الفقر والبطالة”.
تحديات لا تزال قائمة
ورغم التفاؤل الرسمي، إلا أن التجار والمحللين يحذرون من تحديات كبيرة قد تعيق الاستفادة الكاملة من الاتفاق، أبرزها ضعف البنية التحتية، نقص مخازن التبريد، وازدحام المعابر الحدودية. ويؤكد التاجر أوميد حيدري أن “الاتفاق خطوة إيجابية، لكن يجب أولاً فتح الطرق التجارية القديمة وتسهيل مرور البضائع”.
وبحسب خبراء، فإن حوالي 30% من المحاصيل الطازجة تُفقد سنوياً بسبب ضعف التخزين والنقل، كما أن استمرار العجز التجاري الذي بلغ 6.7 مليارات دولار في 2024، يضع ضغوطاً إضافية على الاقتصاد.
تأثير التوترات السياسية والأمنية
تلعب الأوضاع الأمنية والسياسية دوراً محورياً في نجاح الاتفاق. فالحدود الطويلة بين البلدين (2600 كلم) شهدت في السنوات الأخيرة توترات متكررة تسببت في إغلاق معابر حيوية مثل طورخم وتشمن، ما أدى إلى تعطيل حركة التجارة.
ويقول المحلل الاقتصادي عبد القيوم حقيار إن “الاتفاق يُعد خطوة واعدة، لكنه يحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة، واستثمارات في البنية التحتية حتى يُحدث التأثير المنشود”.