ابتكار نانوي يستخدم جسيمات الذهب لتوصيل الليثيوم إلى الدماغ ويعد بعلاج الأمراض النفسية والعصبية

ابتكر فريق من الباحثين تقنية نانوية جديدة تستخدم جسيمات ذهبية متناهية الصغر كناقلات علاجية لتوصيل دواء الليثيوم مباشرة إلى الدماغ عبر بخاخ أنفي، ما يفتح آفاقًا واعدة لعلاج والوقاية من الأمراض النفسية والعصبية التنكسية، بما في ذلك الاضطراب ثنائي القطب ومرض ألزهايمر.
يُستخدم الليثيوم منذ عقود لعلاج بعض الاضطرابات النفسية، إلا أن تناوله عن طريق الفم محدود بسبب ضيق هامش الأمان العلاجي وآثاره الجانبية المحتملة على الكلى والغدة الدرقية. ومن هنا، سعى الباحثون إلى إيجاد طريقة لتوصيله بتركيزات منخفضة مباشرة إلى الدماغ، ما يقلل احتمال حدوث أعراض جانبية ويحافظ على فعاليته العلاجية.
الدراسة أجريت بالتعاون بين الجامعة الكاثوليكية في إيطاليا، ومستشفى بوليكلينيكو الجامعي، وجامعة ساليرنو، ونشرت نتائجها في مجلة Advanced Materials في 29 سبتمبر/أيلول، وحصلت على براءة اختراع، وفق موقع يوريك أليرت.
آلية العمل والتأثيرات العلاجية
تركز التقنية على إنزيم رئيسي يُعرف باسم غلايكوجين سينثاز كيناز 3 بيتا (GSK-3β)، الذي يلعب دورًا محوريًا في العمليات الخلوية ويتحكم في نشاط أكثر من 100 بروتين داخل الخلية. فرط نشاط هذا الإنزيم يؤدي إلى اضطرابات في بروتينات أساسية، ما يسهم في ظهور الأمراض العصبية والنفسية. ويعد الليثيوم مثبطًا قويًا لهذا الإنزيم، إلا أن الوصول إلى التركيز العلاجي المطلوب في الدماغ عبر الأقراص الفموية يتطلب جرعات عالية تتجاوز الحدود الآمنة.
باستخدام جسيمات الذهب النانوية، يمكن توصيل الليثيوم مباشرة إلى الخلايا الدماغية عبر مسار الأنف، ما يسمح بتحقيق تراكيز علاجية فعالة بجرعات منخفضة دون المرور بالدورة الدموية، وبالتالي تقليل المخاطر الجانبية.
وقال الدكتور أنطونيو بونيربا، الباحث في جامعة ساليرنو: “جسيمات الذهب النانوية أداة مثالية، إذ يمكن تعديلها بالغلوتاثيون لتسهيل دخولها إلى الخلايا وربط أيونات الليثيوم، وعند دخولها تتحلل وتطلق الليثيوم داخل الخلية”.
وأضاف الدكتور روبرتو بياسينتيني من الجامعة الكاثوليكية: “الإعطاء عبر الأنف مسار مثالي للوصول المباشر إلى الدماغ وتجنّب التوزيع الجهازي، مما يزيد أمان العلاج. كما أن الذهب معدن خامل وآمن حيويًا، ويتم التخلص منه عبر الكلى دون تراكم في الدماغ”.
نتائج الاختبارات على الحيوانات
تم اختبار التقنية على فئران مصابة بمرض ألزهايمر، حيث أظهر العلاج تحسنًا ملحوظًا في الذاكرة والسلوك دون آثار جانبية. وأوضحت الدكتورة جوليا بولياتي: “إعطاء جسيمات الذهب النانوية المحمّلة بالليثيوم لمدة 5 أيام يثبّط إنزيم GSK-3β في منطقة الحُصين، وتكرار العلاج لمدة شهرين أدى إلى تحسن كبير في الذاكرة على المستويين السلوكي والجزيئي”.
كما بينت التجارب أن العلاج ينظّم نشاط الإنزيم المستهدف دون زيادة في مستويات الليثيوم في الدم، حتى مع الاستخدام طويل الأمد، ما يؤكد سلامة التقنية الجديدة.
وأشار الدكتور كلاوديو غراسي: “يمكن تصنيع هذه الجسيمات النانوية بسهولة، مما يبسّط الإنتاج ويخفض التكلفة، ويمهد الطريق لتسويق المنتج في المستقبل القريب”.
آفاق مستقبلية
يعتقد الباحثون أن هذه التقنية النانوية تمثل نقلة نوعية في علاج الأمراض النفسية والعصبية التنكسية، حيث توفر أدوية أكثر دقة وأمانًا تستهدف الدماغ مباشرة، مع تقليل الجرعات والأعراض الجانبية المرتبطة بالليثيوم الفموي التقليدي.









