إيكونوميست: الصين تحقق تقدمًا تكنولوجيًا هائلًا عبر نموذج ابتكار مدعوم من الدولة وسط مخاطر مالية كبيرة

نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية تقريرًا موسعًا حذّرت فيه من التحديات التي تواجه الصين في مسارها نحو التفوق التكنولوجي، مشيرة إلى أن البلاد تحوّلت خلال العقد الأخير إلى قوة ابتكار عالمية تقود قطاعات السيارات الكهربائية والبطاريات والروبوتات، عبر نموذج استثنائي تديره الدولة يعرف بـ”سلسلة الابتكار”.
ويقوم هذا النموذج على تحويل الأبحاث في الجامعات والمختبرات الحكومية إلى منتجات تجارية، ما يمنح الصين سرعة غير مسبوقة في تحويل الأفكار إلى صناعات. غير أن المجلة شددت على أن هذا السباق، الممول بالدين العام والدعم الحكومي المكثف، قد يكون غير قابل للاستمرار على المدى الطويل، محذرة من أن “النفقات الهائلة والإفراط في المنافسة وسوء تخصيص الموارد يهدد بتحويل قصة النجاح إلى عبء طويل الأمد على ثاني أكبر اقتصاد في العالم”.
سلسلة ابتكار مدفوعة بالدولة
أكد التقرير أن الرئيس الصيني شي جين بينغ جعل التفوق التكنولوجي على الغرب هدفًا إستراتيجيًا، وأن الشركات الصينية تهيمن بالفعل على قطاعات مثل السيارات الكهربائية والبطاريات، وتسعى للحاق بالركب أو التفوق في مجالات ناشئة مثل الروبوتات الشبيهة بالبشر.
واستعرضت إيكونوميست أمثلة ملموسة على هذا النموذج، مثل شركة “فيوجن إنرجي تيك” التي خرجت من مختبر نووي حكومي في مدينة هيفي عام 2023، وأعلنت في يوليو/تموز 2025 عن خطط تجارية لتقنية اندماج نووي تنتج حرارة عالية، بالإضافة إلى تطوير أجهزة فحص أمني تستخدم يوميًا في محطات المترو.
كما تناول التقرير تجربة مجموعة علماء من معهد حكومي صغير في تشونغتشينغ تحولوا إلى شركة “ثيسيوس”، التي أصبحت خلال خمس سنوات لاعبًا بارزًا في مجال الرؤية الحاسوبية، وأعلنت في مايو/أيار الماضي عن شاشات متقدمة بتقنية “أموليد” بالتعاون مع “تشاينا موبايل”.
أرقام ضخمة ونفوذ متسع
وأوضحت المجلة أن عوائد المعاهد البحثية الحكومية من بيع براءات الاختراع أو تطوير تقنيات مشتركة تضاعفت بين 2019 و2023 لتصل إلى 205 مليارات يوان (29 مليار دولار). واعتبرت مدينة هيفي نموذجًا لتقاطع البحث العلمي ورأس المال الخاص، حيث تستثمر الحكومة المحلية في الشركات الناشئة وتبني سلاسل توريد داعمة، ما أدى إلى تسويق علاجات تعتمد على الاندماج النووي ودخول خدمات الاتصالات الكمية إلى الأسواق.
وفي مارس/آذار الماضي، منحت لجنة التنمية والإصلاح الوطني سيطرة مباشرة على صندوق تكنولوجي بقيمة تريليون يوان (141 مليار دولار)، بهدف توسيع التجربة على المستوى الوطني.
تكاليف باهظة ومخاطر الإفراط في المنافسة
وحذرت إيكونوميست من أن الكلفة تتصاعد بشكل خطير، إذ تُقدَّر قيمة الدعم الحكومي للصناعات بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي. كما شهد رأس المال المغامر الخاص تراجعًا بنسبة 41% في النصف الأول من 2025، ما يعكس “تراجع ثقة المستثمرين في بيئة الابتكار الموجهة من الدولة”.
وأشار التقرير إلى أن الدعم الكبير أدى إلى طاقات فائضة ضخمة، خصوصًا في قطاع السيارات الكهربائية، حيث أن “الغالبية العظمى من شركات تصنيع السيارات الكهربائية في الصين غير مربحة”، كما واجهت شركات الروبوتات انتقادات بسبب وجود “عشرات الشركات التي تنتج منتجات متشابهة دون طلب حقيقي”، وهو ما يعرف في الصين بـ”الإفراط في المنافسة الداخلية”.
ديون متصاعدة ومستقبل غامض
ونقلت المجلة عن دانييل روزن من مجموعة “روديوم” أن الديون التي تكبدتها الصين لتمويل الابتكار هائلة وغير قابلة للاستمرار، مشيرة إلى أن الدين العام، بما في ذلك ديون الحكومات المحلية، بلغ 124% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024، في وقت تراجعت فيه إنتاجية رأس المال والعمالة.
ورأت إيكونوميست أن الرئيس شي جين بينغ قد يضطر لتقليص الدعم الحكومي عاجلًا أم آجلًا، ما قد يؤدي إلى “توقف حزام النقل الابتكاري الذي غذّى صعود الصين التكنولوجي في العقد الأخير”. وأضافت أن النموذج الصيني نجح في خلق شركات عالمية المستوى، لكن العائد على الاستثمار أصبح منخفضًا، مما يجعل استمرار التجربة غير مضمون.