إيران تُشيّع كبار قادتها في جنازة مهيبة وتتوعد بمرحلة “تربك حسابات الأعداء”

بعد أربعة أيام من دخول الهدنة حيّز التنفيذ، والتي أنهت جولة من التصعيد العسكري استمرت 12 يوماً، شيّعت إيران 60 من كبار قادتها العسكريين وعلمائها النوويين الذين سقطوا في عمليات اغتيال نُسبت لإسرائيل، في مراسم جنائزية حاشدة أرادت لها طهران أن تكون “بيعة للمستقبل” وبداية مرحلة جديدة تحمل رسائل حاسمة لخصومها.
وشهدت العاصمة طهران صباح السبت مراسم رسمية انطلقت من ساحة “الثورة الإسلامية”، وسط مشاركة واسعة من مئات الآلاف الذين حملوا نعوش الضحايا المغطاة بالأعلام الإيرانية نحو ساحة “الحرية” غربي المدينة، وسط هتافات غاضبة تندد بإسرائيل.
وأكد علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، في منشور له على منصة “إكس”، أن التشييع ليس مجرد وداع رمزي، بل هو عهد جديد ستنبثق منه “ألف قيادة من كل قطرة دم أُريقت”، معتبراً أن ما بدأته إسرائيل فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران بالنار، انتهى بتوسلاتها لوقف إطلاق النار أمام الرد الإيراني العنيف الذي جاء، بحسب تعبيره، بـ”جنود دروعهم ظهورهم العارية”.
وفي مشهد مؤثر، شوهد المواطن محمد رضا (68 عاماً)، الذي فقد ابنه في الحرب العراقية الإيرانية، ينثر الورود على النعوش، قائلاً إنه جاء ليشارك أهالي الشهداء حزنهم واعتزازهم، مؤكداً أن “الدماء التي سالت لن تذهب سدى وستقرب يوم النصر”.
وفي تصريح لموقع “الجزيرة نت”، أضاف رضا أن “الكيان الصهيوني أساء تقدير رد الفعل الإيراني، سواء على مستوى القيادة أو الشعب، وسيدفع ثمن هذه المقامرة”، معبراً عن يقينه بأن “دماء الأبرياء في إيران ولبنان وغزة ستعجّل بزوال الاحتلال”.
وجاءت المراسم تحت عنوان “شهداء السيادة”، لتوحيد رمزية القادة العسكريين والعلماء النوويين الذين اغتيلوا في الهجمات.
هدنة هشة وخطر متجدد
رغم سريان وقف إطلاق النار، حذر مهران (26 عاماً)، طالب العلوم السياسية في جامعة طهران، من هشاشة الهدنة قائلاً إنها قابلة للانفجار في أي لحظة ما دامت الأسباب الجوهرية للصراع قائمة.
وفي حديثه لـ”الجزيرة نت”، أوضح مهران أن إسرائيل نفذت هجومها الأخير باعتباره “إجراءً استباقياً ضد تهديد وجودي”، مستخدمة آلاف الخلايا النائمة داخل إيران، وهجوماً سيبرانياً متطوراً، تلاه استهداف للبنية الدفاعية بالرادارات وموجات من الطائرات المسيّرة، بهدف تعرية الأجواء الإيرانية أمام غاراتها الجوية.
وأضاف أن على طهران الآن الوفاء بوعودها بشأن تعزيز قدراتها الرادعة، مؤكداً أن استمرار الصمت سيمنح العدو فرصة لإعادة الكَرّة، مشيراً إلى أن الهجوم الإسرائيلي الأخير لم يكن ليحدث لولا الدعم الكامل من الولايات المتحدة وتسليحها المتطور.
أصوات الغضب والوعيد
وعلى هامش التشييع، رفعت عجوز ثكلى صورة طفلة من ضحايا الغارات الإسرائيلية على طهران، وسألت بحرقة: “بأي ذنب قتلت؟”، مضيفة أن الطفلة وغيرها من المدنيين لم يكونوا يحملون السلاح، ومع ذلك لم يسلموا من “غدر العدو”، حسب تعبيرها. وطالبت برد أقوى إذا حاول الاحتلال تكرار سيناريو لبنان أو غزة في سماء طهران.
من جانبه، أدان المحارب المخضرم محمد رضا (71 عاماً)، أحد جرحى الحرب العراقية الإيرانية، الموقف الأميركي من الهجوم، خاصة بعد تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب الذي دعا إيران للاستسلام غير المشروط وإنهاء برنامجها النووي. وقال رضا إن الحرب الأخيرة كانت، في جوهرها، مواجهة مباشرة بين طهران وواشنطن، مشدداً على قدرة بلاده على ضرب العمق الإسرائيلي متى شاءت.
دعوات لتسليح نووي ردعي
وخلال مراسم التشييع، طالب محمد رضا برفع السقف الاستراتيجي الإيراني قائلاً: “هل استسلمنا كما زعم ترامب؟ لا، ولن نفعل”، مؤكداً أن طهران لم تتخلَّ عن برنامجها النووي رغم الضغوط، ولم تُفكك منشآتها، بل لا تزال تحتفظ بـ400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب.
واختتم حديثه بالدعوة الصريحة إلى امتلاك القنبلة النووية، معتبراً أن الردع الحقيقي كان سيمنع ما وصفه بـ”العدوان الإسرائيلي واغتيال رموز السيادة العلمية والعسكرية الإيرانية”.