إذا اجتمعت القداسة والحظ لشخص ما … فما موقف الأنظمة الهشة من شخص كهذا؟

في الدول التي تعاني هشاشة بنيوية، يبرز بين الحين والآخر شخص يبدو وكأن “الكون قد تآمر لصالحه”، فهو يجمع بين القداسة والحظ، فيخلط بين التأثير الرمزي والتمكين المادي، ويغدو خطرًا بنيويًا على الدولة، لا على خصومه السياسيين فقط.
الحظ وحده قد يصنع مالًا أو جاهًا مؤقتًا. لكن هذا المكسب هش كمن بناه على رمال؛ يكفي غضب المانح أو رحيل المحظوظ حتى يتبدد الثراء ويتفرق بين الورثة، أو يطويه النسيان. فالحظ مثل السهم الطائش، قد يصيب الهدف لحظة، لكنه لا يضمن له البقاء.
أما القداسة، فهي أخطر بكثير. لأنها لا تقوم على منطق الإنجاز أو التفوق، بل على تصورات العوام، الذين يرون في صاحبها “رجلًا مباركًا”، وإن خلا من أي كفاءة. بل قد يكون ممن لا يُرجى منهم نفع معرفي ولا سداد رأي. ومع ذلك، يبقى ملهمًا، يُسلم الناس بين يديه الهدايا والولاءات، ويصدقون ادعاءاته، حتى إن اغتنى فجأة، نسبوا غناه إلى “بركته” لا إلى أي مورد مشبوه أو دعم خارجي.
لكن الخطر الحقيقي يظهر حين يجتمع المال بالقداسة في زمن يفترض أنه عصر العقل والتخطيط والمؤسسات. حينها، يصبح هذا الشخص كيانًا خارج حسابات المنطق، ومفتوح الطموحات؛ لا سقف لغاياته، ولا ضوابط لتحركاته، خاصة إذا قرر دخول السياسة أو الزحف نحو مراكز القرار.
ففي مجتمع هش، تغيب فيه المؤسسات الرادعة، وتنهار فيه منظومات التعليم، وتتآكل هيبة الأطر الوطنية، ويتحول التوظيف إلى إرث عائلي أو محاباة قبلية، فإن “المقدس المحظوظ” يجد الطريق ممهدًا أمامه، لا يحتاج سوى إلى بعض المراوغة، وربما بعض الإنفاق، ليصل إلى مفاصل الدولة.
وهنا، تُطرح أسئلة وجودية:
ما الذي يمنعه من التحالف مع مافيا المال أو مراكز النفوذ الخارجية؟
من سيراقبه، ما دامت الهالة الروحية تحيطه، والحظ يرفرف فوقه؟
وكيف يمكن لدولة بلا بنية قوية أن تتعامل مع شخص يكتسب “الشرعية” من عاطفة العامة لا من أصوات الناخبين أو كفاءة التسيير؟
المفارقة أن الأنظمة الهشة، عوض أن تحمي نفسها بالقانون والمؤسسات، كثيرًا ما تقع في وهم المهادنة مع هذا النوع من الشخصيات، فتمنحه شرعية إضافية، إما عبر المجاملة أو التوظيف الرمزي. وهكذا، بدل أن يُحتوى، يتمدد، وبدل أن يُحاصر، يُحتفى به، حتى يصبح خصمًا لا يُقاوَم، لا لأنه قوي، بل لأن الدولة ضعيفة.
إن أخطر ما في “القداسة المدعومة بالحظ” أنها لا تخضع لمنطق السياسة، ولا للرقابة، ولا للزمن. وإذا ما غدت أداة في يد مافيا خارجية، فمصير الدولة حينها يكون على كف وهم، تحكمه خطب الحشود لا خطط التنمية، وتحميه الهالة لا العدالة، ويُدار بالشعوذة لا بالشورى.
فمتى تستفيق الأنظمة الهشة من هذا الوهم؟
ومتى تعود القداسة إلى مجالها الطبيعي، بعيدًا عن صلب الحكم ومراكز القرار؟
حمادي سيدي محمد آباتي