أي الفسطاطين سيرث السلطة؟

منذ اللحظة التي أطاح فيها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني برفيق دربه محمد ولد عبد العزيز، بدأت ملامح مشهد سياسي جديد في التشكل، لكنه مشهد لم يخلُ من الغموض والتناقضات. لم تكن الإطاحة فعلًا فجائيًا أو عنيفًا، بل كانت مسرحية محكمة الإخراج، تم فيها تحييد الجنرالات المقربين من الرئيس السابق، إما بالإقالة أو بالإقصاء الناعم مقابل وعود بعدم ملاحقة المقربين منهم أو محاسبة رموز الفساد الذين راكموا الثروة تحت عباءة النظام السابق.
لقد تمكن غزواني، بدهاء عسكري وسياسي، من هندسة تحالف غير متجانس داخل أروقة الدولة: وزراء يمثلون تيارات متضادة، وبرلمانيون تمت “مصالحتهم” عبر صفقات غير معلنة، وساسة أعيد تدويرهم في مشهد جديد قديم، بلا مشروع حقيقي سوى الحفاظ على التوازنات الهشة.
إلا أن هذا التوازن بدأ يتصدع. فتقاطب المصالح داخل الحكومة، والاتهامات المتبادلة بين أقطابها، أخرجت إلى العلن خفايا طالما تم التستر عليها. من التجارة بالممنوعات إلى تسريب معلومات حساسة، ظهر أن الصراع على النفوذ ليس بين معسكر معارض وآخر موالٍ، بل بين أجنحة داخل نفس النظام.
وهنا يطفو سؤال مصيري على سطح الأحداث: من سيرث هذا النظام؟
هل هو فسطاط احويرثي، الذي يرمز لخط تكنوقراطي – أمني، يسعى إلى فرض الانضباط على النسق السياسي وتحقيق بعض الحد الأدنى من السيطرة على الفساد، ولو شكليًا؟
أم هو فسطاط ولد اجاي، الذي يمثل التيار البراغماتي المرتبط بمصالح شبكات اقتصادية وإدارية راسخة، لا تعارض استمرارية الفساد بل تسعى إلى تأطيره في معادلات محسوبة؟
احويرثي، بصفته الأمنية ونزعته المحافظة، يسعى لإعادة هيبة الدولة، ولكنّه محاط بشكوك واسعة حول انحيازه لدوائر أمنية ضيقة قد تفتقر إلى الكاريزما السياسية أو القبول الشعبي. بينما يمثل ولد اجاي جيلاً من الإداريين الذين تمرسوا في دهاليز الميزانيات والصفقات، ويفهمون جيدًا كيف تُشترى الولاءات وتُدار المصالح داخل الدولة العميقة.
لكن مع كل هذا، لا تزال ورقة الحسم في يد الرئيس غزواني، الذي يبدو أنه يفضل الغموض على الوضوح، والتوازن على الحسم. فهل سيبقى في موقع الحَكم بين الفسطاطين، أم أنه يهيئ لوريث ثالث غير معلن، قد يظهر فجأة كما ظهر هو من قبل، من خلف ستار الصداقة القديمة؟
في ظل هذا المشهد المرتبك، تبدو السلطة وكأنها على وشك أن تُورث، لا أن تُنتخب، وأن تُحسم خلف الأبواب المغلقة لا في صناديق الاقتراع. فهل نحن أمام تكرار لدورة نخبوية مغلقة؟ أم أن الغضب الشعبي المتصاعد قد يُربك الحسابات ويُسقط الأوراق من يد الجميع؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن الصراع بين الفسطاطين قد بدأ، والساحة السياسية لن تبقى على حالها طويلًا.
حمادي سيدي محمد آباتي