أفغانستان وكازاخستان: شراكة طموحة وسط تحديات العزلة والعقوبات

في قلب العاصمة الأفغانية كابل، وعلى وقع السعي لكسر العزلة الدولية وإنعاش الاقتصاد المحلي، استضافت المدينة منتدى تجارياً مهماً جمع أفغانستان بدول آسيا الوسطى، في محاولة لرسم خارطة تجارية جديدة تعيد تموضع البلاد كممر استراتيجي يربط جنوب آسيا بشمالها.
ومع انضمام كازاخستان كشريك استراتيجي، تأمل أفغانستان في استثمار موقعها الجغرافي لتعزيز الربط الإقليمي. غير أن العقوبات الدولية وضعف البنية التحتية يطرحان تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المبادرات بوابة نحو الازدهار أم مغامرة محفوفة بالعقبات.
منتدى اقتصادي واتفاقيات بملايين الدولارات
في 22 أبريل/نيسان 2025، انعقد المنتدى التجاري الأفغاني الكازاخستاني في كابل، وأسفر عن توقيع 20 اتفاقية تعاون بين رجال أعمال من البلدين، تجاوزت قيمتها الإجمالية 140 مليون دولار.
وتضمنت الاتفاقيات تصدير 50 ألف طن من الفواكه والخضروات الأفغانية إلى كازاخستان، مقابل استيراد 100 ألف طن من القمح والزيوت الكازاخية، إلى جانب مشاريع في مجالات التعدين والبنية التحتية للنقل.
تزامن المنتدى مع افتتاح معرض تجاري استمر يومين، شارك فيه الطرفان من خلال 40 جناحاً – 8 منها للجانب الأفغاني و32 لكازاخستان – شملت معروضات في الصناعات اليدوية، المنتجات المحلية، المشروبات، والأدوية.
وأكد سيريك زومانغارين، النائب الأول لرئيس الوزراء الكازاخستاني، التزام بلاده برفع حجم التبادل التجاري مع أفغانستان إلى 3 مليارات دولار سنوياً.
اقتصاد هش ومساعٍ للإنعاش
منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم في أغسطس 2021، يعاني الاقتصاد الأفغاني من تجميد أكثر من 7 مليارات دولار من احتياطي البنك المركزي، وانقطاع المساعدات الدولية التي كانت تمثل 75% من الموازنة.
وبحسب تقرير أممي لعام 2025، يعيش 48% من السكان تحت خط الفقر، فيما بلغت معدلات البطالة 20% في 2023، وفق البنك الدولي.
ورغم تحسن نسبي نتيجة انخفاض أسعار الغذاء وزيادة الصادرات، لا يزال 14.8 مليون أفغاني يواجهون انعدام الأمن الغذائي.
تنويع الشراكات التجارية
تسعى أفغانستان لتنويع شراكاتها التجارية وتخفيف الاعتماد على باكستان، إذ تراجعت التجارة معها بنسبة 70% نتيجة التوترات الحدودية.
ووفق المتحدث باسم وزارة التجارة الأفغانية عبدالسلام جواد، بلغ حجم التبادل التجاري مع دول آسيا الوسطى 2.3 مليار دولار في العام الماضي، شملت صادرات مثل:
- الفواكه الطازجة والمجففة
- العصائر
- التالك
- البطاطس والبصل
في المقابل، تستورد أفغانستان:
- القمح والطحين
- الزيوت
- المشتقات النفطية
- مواد صناعية مثل الإسمنت
وتأتي كازاخستان في صدارة الشركاء التجاريين، بحجم تجارة ثنائية يناهز المليار دولار، وتشكل منتجاتها من الطحين والزيوت دعامة أساسية للأسواق الأفغانية.
آمال التجار في ظل تحديات الواقع
رغم المؤشرات الإيجابية، لا يزال التجار يواجهون تحديات. يقول التاجر حاجي عبد الرحمن سخي زاده من هرات:
“وقعت صفقة لتصدير 10 أطنان من الزبيب إلى كازاخستان، لكن ارتفاع أسعار الوقود ونقص التمويل يهددان استمرار عملي”.
من جانبه، أشار محمد يونس مومند، نائب رئيس غرفة التجارة الأفغانية، إلى أن التحولات الإقليمية دفعت إلى تعزيز العلاقات مع كازاخستان وأوزبكستان على حساب باكستان.
العقوبات الدولية: العائق الأكبر
يشكل الامتثال الدولي للعقوبات عائقاً رئيسياً أمام تسهيل المعاملات التجارية، إذ ترتفع تكلفة الإجراءات البنكية بنسبة 20%، فضلاً عن غياب نظام مالي مشترك مثل “سويفت”.
ويؤثر هذا الواقع على مشاريع استراتيجية مثل مشروع “ترانس أفغان” للسكك الحديدية، الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة.
تحولات إقليمية وطموحات جيوسياسية
تُعد كازاخستان بوابة لأفغانستان نحو روسيا والصين، خاصة بعد إزالة حركة طالبان من قوائم الإرهاب في أستانا وموسكو عامي 2024 و2025.
ويرى محللون أن هذه الانفتاحات تتيح فرصاً جديدة، مثل ربط الصين بكابل عبر كازاخستان، وتعزيز مشاريع إقليمية كممر الغاز “تابي”.
كما تسعى أفغانستان إلى جذب استثمارات صينية ضمن مشروع “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني”، رغم أن العقوبات تظل عقبة أمام تحقيق ذلك.
مشاريع عملاقة لتعزيز الشراكة
من بين أبرز المشاريع المطروحة:
- مشروع ترانس أفغان لربط أوزبكستان بباكستان عبر سكك حديدية تمر بأفغانستان، ويوفر 10 آلاف فرصة عمل.
- استثمار كازاخستاني بقيمة 500 مليون دولار في قطاع السكك.
- دعم مشروع “تابي” لنقل الغاز من تركمانستان إلى جنوب آسيا.
- مشاريع للتنقيب عن النفط والغاز ومناجم في شمال أفغانستان.
علاقات دبلوماسية تنمو رغم العزلة
على الرغم من تحفظات الغرب بشأن حقوق الإنسان، فإن دول آسيا الوسطى، باستثناء طاجيكستان، طورت علاقات وثيقة مع طالبان.
فكازاخستان لم تغلق سفارتها في كابل، وأوزبكستان اعترفت بسفير الحركة، بينما تبادلت كل من قرغيزستان وتركمانستان زيارات رسمية.
وفي يونيو 2024، أزالت كازاخستان طالبان من قوائم الإرهاب، وتبعتها روسيا في أبريل 2025، كما وافق مجلس الأمن الدولي على إنشاء مكتب إقليمي لدعم التنمية في ألماتي.
آفاق واعدة وتحديات مستمرة
يحمل التعاون الأفغاني الكازاخي فرصاً اقتصادية واعدة، حيث يعزز صادرات الفواكه، ويدعم الاستقرار الغذائي، ويوفر منفذاً تجارياً بديلاً.
كما أنه يمثل ورقة ضغط سياسية بيد طالبان لتعزيز شرعيتها الإقليمية.
لكن التحديات لا تزال قائمة، وأبرزها:
- العقوبات الدولية والعزلة المصرفية
- ضعف البنية التحتية وخاصة في مجال النقل
- المخاوف الإقليمية، خصوصاً من باكستان
- هشاشة التمويل وصعوبة إنجاز المشاريع الكبرى
مستقبل الشراكة
رغم العوائق، يبدو أن كابل تراهن على هذه الشراكة كبوابة للخروج من العزلة وتحقيق تحول اقتصادي حقيقي. فهل تنجح أفغانستان في لعب دور “الممر الإقليمي” وسط توازنات جيوسياسية دقيقة؟ أم ستبقى الطموحات حبيسة العقوبات والقيود اللوجستية؟
الأسابيع والشهور القادمة ستكون حاسمة في الإجابة عن هذا السؤال.