ثقافة

أحمد الأخرس.. حارس ذاكرة الزمن الجميل في قلب عمّان

ما إن يفتح أحمد الأخرس باب متحفه الصغير كل صباح في وسط العاصمة الأردنية عمّان، حتى تبدأ رحلة من الحنين تعيد الزائرين عقودًا إلى الوراء. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، بدأ الأخرس، بدافع شغفه بالتراث الأردني، بجمع مئات القطع النادرة والمقتنيات القديمة داخل فناء منزله، ليصبح بمرور الوقت مرجعًا حيًا لذاكرة الأردنيين، وخاصة أولئك الذين عاشوا حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

متحف خاص.. وذاكرة وطنية

بجهد فردي ومثابرة لافتة، أنشأ الأخرس متحفه الخاص، الذي يضم آلاف الكتب المدرسية القديمة، والصحف الورقية النادرة التي تعود إلى بدايات تأسيس الدولة الأردنية عام 1921، بالإضافة إلى ألعاب الأطفال، والمنتجات التجارية، والعملات القديمة الفريدة من نوعها. ويعتبر الكثيرون هذا المتحف بمثابة توثيق حي للحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في الأردن، لما يحتويه من كنوز تراثية تعكس ملامح ذلك الزمن الجميل.

كما يمتلك الأخرس تسجيلات نادرة على أشرطة الفيديو والكاسيت، إلى جانب مناهج دراسية تعود إلى دول عربية مثل السعودية وقطر والإمارات وسوريا، وصور وخرائط قديمة توثق ملامح العاصمة عمّان منذ بدايات القرن العشرين.

جسر بين الأجيال

في حديثه لموقع الجزيرة نت، يقول أحمد الأخرس (47 عامًا) إنه كان يزور الأسواق الشعبية، ويتنقل بين القرى والمناطق الريفية، ليستمع إلى روايات كبار السن، ويجمع منهم القصص النادرة والقطع التراثية الفريدة. ويضيف أن هدفه من إنشاء هذا المتحف المتواضع هو ربط الأجيال الجديدة بماضيهم، وتعزيز الهوية الوطنية من خلال تعريفهم بتراثهم وتاريخ وطنهم.

بمرور السنوات، أصبحت مقتنيات الأخرس مرجعًا مهمًا للباحثين والمؤرخين، كما بات متحفه وجهة لوسائل الإعلام المحلية والعربية التي ترى فيه شاهدًا ومؤرخًا لذاكرة المجتمع الأردني.

سحر الذكريات

يتميز الأخرس بأسلوب شيق عند سرد القصص المرتبطة بمقتنياته، ويقول إن الكثير من الزائرين يشعرون بالدهشة والفرح وهم يتصفحون كتبهم المدرسية القديمة، أو يشاهدون ألعاب الطفولة التي ارتبطوا بها، مثل أجهزة “الأتاري” و”السيغا”، والألعاب الحربية البلاستيكية التي كانت رائجة في تلك الفترة.

ويؤكد أن جزءًا كبيرًا من مقتنياته جمعه على مدى سنوات، وبعضها اشتراه بمال حصل عليه من بيع الخردة، بهدف الحفاظ على هذا التراث، إيمانًا منه بأنه سيصبح ذا قيمة تاريخية بمرور الوقت.

نداء لحماية الإرث

ورغم القيمة الكبيرة لمتحفه، يخشى الأخرس أن يضيع هذا الجهد إذا لم يجد دعمًا رسميًا يؤمن له مساحة مناسبة لعرض كنوزه التراثية، التي تتزايد قيمتها مع مرور الزمن. ولهذا السبب، بدأ بنقل جزء من أرشيفه إلى العالم الرقمي، من خلال صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان: “ذاكرة الزمن الجميل”، بهدف إيصال هذا الإرث إلى أكبر عدد ممكن من الناس.

حنين لا ينتهي

يختم الأخرس حديثه بتأكيده على أن الجميع أسرى حنين لا ينتهي، حنين إلى أيام الطفولة والمدرسة، والأصدقاء، والعلاقات الاجتماعية البسيطة التي كانت تشكل ملامح الحياة في الماضي، بعيدًا عن تعقيدات الزمن الحالي.

من خلال هذا المتحف المتواضع، ينجح أحمد الأخرس في إبقاء الذاكرة الوطنية حية، ويرسخ دوره كأحد أبرز حُراس التراث الشعبي في الأردن، مانحًا الأجيال الجديدة فرصة ثمينة لاكتشاف تاريخهم، والتصالح مع ماضيهم، والاعتزاز بجذورهم.

زر الذهاب إلى الأعلى