ثقافة

فييت ثانه نغوين: صراع الكاتب بين الحق والسلطة في ظل حرب غزة

في مسرح بمدينة كامبريدج في ماساتشوستس، استعد الروائي الفيتنامي الأمريكي فييت ثانه نغوين (Viet Thanh Nguyen) لإلقاء محاضرته في ديسمبر 2023، ضمن سلسلة من ست محاضرات في جامعة هارفارد. إلا أن الملاحظات التي أعدها قبل أشهر خلال الصيف بدأت تبدو له غير ملائمة، إذ كان يثقل صدره ما كان يحدث في غزة من حرب إسرائيلية شرسة.

منذ اندلاع الحرب في أكتوبر، كان نغوين يتابع الأخبار التي تصوّر العائلات الفلسطينية وهي تُمحى، وأحياء تُدمر بالكامل، واستخدام التجويع كسلاح حرب. ومع ذلك، كان يعاني من ردود الفعل العنيفة التي تلقاها إثر مواقف تعبيره الصريحة، حيث وُجهت إليه اتهامات بمعاداة السامية أو تجاهل معاناة الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس.

هذا المناخ ألقى بظلاله الثقيلة على المثقفين والفنانين مثل نغوين، حيث يمكن أن تؤدي المواقف السياسية إلى خسارة عقود مهنية وإلغاء فعاليات. فقد شهد بنفسه إلغاء حديثه في مركز “92nd Street Y” في نيويورك، إثر توقيعه على رسالة تندد بالعنف في غزة.

بينما كان يستعد لاستكمال محاضراته في هارفارد، واجه خياراً صعباً: إما مواجهة ردود الفعل العنيفة بجرأة أو تجنب الموضوع. واختار الأخير، الذي بدا له مؤلمًا لكنه ضروري، مؤكداً في حديثه للجزيرة الإنجليزية: “من السهل التحدث عن الظلام في التاريخ، لكن هل نحن مستعدون لمواجهة ما يحدث الآن، أمام أعيننا في فلسطين؟”

هذا الصراع بين الفن والسياسة كان محور كتابه الأخير “للإنقاذ والتدمير” (To Save and to Destroy)، الصادر مؤخراً في الولايات المتحدة، والذي استند إلى سلسلة محاضراته. في هذا العمل الذي جمع بين المذكرات والنقد والتأمل السياسي، يعبر نغوين عن قناعته بأن الكتابة ليست محايدة، بل هي جزء من النظام الذي تحاول تصويره، ويناقش أسئلة السلطة والمقاومة والحرية في التعبير.

نغوين، الحائز على جائزة بوليتزر عام 2016 عن روايته “المتعاطف” (The Sympathizer)، يقترب من هذه القضايا من منطلق تجربته الشخصية التي تشكلت في ظل الحرب والسياسة، إذ وُلد عام 1971 في خضم حرب فيتنام، وفر مع عائلته من مسقط رأسه عندما كانت القوات الشمالية تحكم قبضتها على البلاد، حتى وصلوا إلى الولايات المتحدة كلاجئين.

رواياته وأعماله غير الروائية مثل “لا شيء يموت أبداً” (Nothing Ever Dies) تسلط الضوء على الهوية الممزقة، والذاكرة الحربية المشوهة، والسياسة المؤثرة على الوعي الجماعي. يؤكد نغوين أن “الحرب والذاكرة والهوية” هي المثلث الذي شكّل هويته الأمريكية.

على الرغم من الجوائز والتقدير، إلا أن نغوين يواجه تحديات جديدة بفعل مواقفه السياسية، خصوصاً دعمه لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) على إسرائيل، وتوقيعه رسالة مفتوحة عام 2023 تدعو لوقف إطلاق النار في غزة. أثار ذلك ردود فعل عنيفة تمثلت بإلغاء حديثه في نيويورك، وفقدانه دعوات لمناسبات أخرى، حتى إن بعض دوائر معرفته قاطعته.

يقر نغوين بأنه يتحدث من موقع امتياز، وأن الكتاب الآخرين قد يدفعون ثمناً أكبر على مواقفهم. ويشير إلى حالات لمثقفين شباب تعرضوا لفقدان وظائفهم أو حتى تهديد إقامتهم في الولايات المتحدة بسبب آرائهم السياسية.

ويقول: “في الشهرين الماضيين، شعرت بعبء الذنب الكبير، وكأنني أختار سلامتي الشخصية على الجهر بالرأي.”

تصفه عميدة كلية المسرح والسينما بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بأنه صوت قوي في مواجهة القمع، لكنها تحذر من أن التقدير النقدي لا يحمي بالضرورة من فقدان الفرص أو الإضرار بالسمعة.

تتضح ضغوط المشهد الثقافي والسياسي على الكتاب الشباب، حيث يخشى كثيرون فقدان فرص النشر والجمهور، ويشدد نغوين على أهمية الصبر والانضباط لمواجهة الوحدة والتحديات التي ترافق مهنة الكتابة.

بالرغم من كل ذلك، يواصل نغوين العمل بشجاعة، مصممًا على أن يظل الصوت الحر الذي يواجه الظلم، ويفتح باب النقاش حول قضايا معقدة وعميقة، حتى لو دفع ثمناً شخصياً ومهنياً كبيراً.

زر الذهاب إلى الأعلى