اقتصاد

توقيع اتفاق سعودي صيني لتبادل عملتيهما يُشكل تحولاً اقتصادياً ذا أبعاد استراتيجية

في إطار جهود تعزيز التعاون المالي بين الصين والسعودية، أعلن البنك المركزي في كل من البلدين عن اتفاق استراتيجي يمكن من مبادلة العملات المحلية بقيمة 50 مليار يوان (7 مليارات دولار).

يأتي هذا الاتفاق في سياق تطور العلاقات الاقتصادية بين الرياض وبكين، حيث يسعى البلدان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي في ظل التحولات العالمية، وذلك بهدف تعزيز استخدام العملات المحلية وتحقيق استقرار في السيولة وأسعار الصرف.

يعبر الاتفاق أيضًا عن رغبة كل من الصين والسعودية في زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة والاستثمار، مما يسهم في تقليل الاعتماد على الدولار. تُعتبر مبادلة العملات هذه خطوة استراتيجية تعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون الثنائي، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية العالمية.

تأتي هذه الخطوة بعد ما يقرب من عام من توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والسعودية، التي تمت خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر الماضي.

وتُظهر هذه الاتفاقية أهمية مبادلة العملات، المعروفة أيضًا باسم “سواب”، كوسيلة فعالة يتم بها تمويل جزء من التجارة بين البلدين، حيث يتم دفع قيمة جزء من المعاملات التجارية بعملتيهما المحليتين بدون الحاجة إلى استخدام عملة ثالثة مثل الدولار. تُحدد أسعار الصرف لهذه العملات مسبقًا بأسعار محددة، مما يسهم في تحقيق استقرار أسعار العملات وتقليل المخاطر للمستوردين والمصدرين في الأسواق المالية.

وفي تعليقه على التوقيع، أشار الخبير الاقتصادي السعودي حسام الدخيل إلى أن هذه الاتفاقية تأتي كجزء من استراتيجية تعزيز العلاقات الثنائية، خاصة في المجال الاقتصادي، الذي شهد تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية. يبرز زيادة حجم التجارة البينية وتوسيع نطاق التعاون وتعزيز العلاقات في المجالات ذات الاهتمام المشترك كنتائج محتملة لهذا الاتفاق.

قوة الاقتصاد السعودي

بحسب تصريحات الدخيل للجزيرة نت، يُعتبر أن الخطوة الأخيرة للتعاون المالي بين الصين والسعودية ستلعب دورًا فعّالًا في تقليل مخاطر الصرف وتأثيرات ارتفاع أسعار الفائدة على مستوى العالم. ويتوقع أن تسهم هذه الخطوة في تيسير إدارة السيولة والاحتياطات التي يمتلكها البنكان المركزيان في كل بلد، من خلال توفير العملات المحليتين في النظام المصرفي، واستخدامهما بشكل مباشر دون الحاجة إلى تحويلات بواسطة عملة ثالثة، مثل الدولار، إلى جانب استخدام أسعار صرف ثابتة.

ويرى الدخيل أن هذه الاتفاقية تعكس قوة الاقتصاد السعودي، حيث تسمح للصين باستخدام الريال السعودي كعملة احتياطية في بنكها المركزي، مما يعكس ثقتها في الاستقرار والقوة الاقتصادية للمملكة.

وفي سياق الجانب الصيني، يرى الدخيل أن هذه الاتفاقية تأتي ضمن استراتيجية بكين لتعزيز تدويل اليوان الصيني على الساحة الدولية، وتشجيع الاستخدام العالمي لليوان مع تقليل الاعتماد على الدولار.

ويرى الدخيل أن هذه الخطوة ستعزز الشراكة السعودية الصينية، وترسل رسالة واضحة إلى الأسواق بأن التعاون بين البلدين لا يزال قائمًا ويتوسع. وهو يعتبر ذلك إشارة إيجابية تشجع الأسواق على استكشاف فرص التسهيلات التجارية والاستثمارية الكبيرة المتاحة في الرياض وبكين.

وفي تحليله، يشير الدخيل إلى أن العلاقة التجارية بين الصين والمملكة شهدت تقدمًا ملحوظًا خلال العقد الأخير، حيث أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للسعودية. ويشدد على أن هذه الاتفاقية تأتي بعد توقيع اتفاقيات استثمار بقيمة 50 مليار دولار، وتحقيق تدفق تجاري بين البلدين بلغ 66.6 مليار دولار، مع تحقيق فائض تجاري يبلغ 26 مليار دولار لصالح المملكة. ويُشير إلى تطلع البلدين لتعزيز حجم التعاون وتنويع الشراكات الاقتصادية، وذلك من خلال اتخاذ خطوات هامة مثل هذه الاتفاقية البارزة.

هيمنة الدولار

من وجهة نظر الخبير والمحلل الاقتصادي السعودي، سليمان العساف، يُعد اتفاق تبادل العملات بقيمة 7 مليارات دولار بين السعودية والصين خطوة بارزة في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين. يعتبر العساف أن هذا الاتفاق يُمثل محاولة من الصين لاختبار فعالية استخدام عملتها في التجارة العالمية، خارج إطار الدولار الذي يسيطر على التجارة العالمية منذ عقود.

في حوار مع الجزيرة نت، يُشير العساف إلى أن رغم صعوبة استبدال الدولار بعملة أخرى، إلا أن هذه الخطوة الأولى نحو التبادل التجاري بواسطة العملات المحلية تعتبر محفزة. يبرز أن مبلغ 7 مليارات دولار قد يظهر بسيطًا مقارنة بحجم التبادل التجاري السنوي بين السعودية والصين البالغ نحو 110 مليارات دولار، ولكنه يرى أن هذا الاتفاق سيشجع الدول في الإقليم وخارجه على تعزيز التبادل التجاري باستخدام العملات المحلية.

ويؤكد أن الاتفاق سيُعزز قوة اليوان وسيُسهم في تيسير وتسريع عمليات التجارة، مما سيؤدي إلى زيادة حجم التبادل التجاري. كما يشير إلى أن هذا الاتفاق سيخفف الضغط عن الدول التي تواجه نقصًا في الدولار، ويمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز استقرار العملات وتشجيع التبادل التجاري الفعال بين الدول.

تحول مهم

وفقًا لتحليل الخبير الاقتصادي عايض آل سويدان، يُظهر الاتفاق الجديد بين الصين والسعودية أهمية العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين، حيث تعد السعودية أحد أكبر مصدري النفط للصين، وبكين هي أكبر شريك اقتصادي للمملكة. يعتبر آل سويدان في حديثه للجزيرة نت أن هذا الاتفاق يمثل تحولًا هامًا في العلاقات الاقتصادية الدولية، ويشير إلى أنه قد يفتح الباب أمام تحولات كبيرة في هيكل النظام النقدي العالمي.

ويبرز آل سويدان أن الاتفاق بين الرياض وبكين يُظهر التوافق في الأهداف الاقتصادية لكل من السعودية والصين، وهو خطوة أولى تشير إلى رغبة السعودية في إبرام اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى. ووفقًا للمصادر الرسمية السعودية، يتم حاليًا إجراء محادثات مع دول مثل الهند وروسيا لاستكشاف إمكانية تحقيق اتفاقات مشابهة.

ويتوقع آل سويدان أن تلتحق العديد من الدول في المنطقة بنهج مبادلة العملات المحلية مع الصين، خاصةً في ظل التحركات الدولية التي تسعى إلى تنويع وسائل التسعير وتبادل النفط، بما في ذلك استخدام العملات المحلية وتشكيل تحالفات تجارية متعددة الأطراف. ويعتبر هذا التنويع المحتمل خطوة هامة تعزز قدرة الدول على التخلص من الاعتماد الكامل على الدولار في تجارة النفط.

زر الذهاب إلى الأعلى