أزمة الاقتصاد في باكستان تلوح في الأفق مما يؤدي إلى تفاقم الضغوط على الطبقة الوسطى في البلاد
تبدو باكستان على وشك اتخاذ المزيد من الإجراءات لمواجهة التحديات الاقتصادية المتنامية، مما سيؤثر بشكل مباشر على الفئات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع. يأتي ذلك في إطار الجهود المبذولة لتلبية شروط برنامج الإقراض المقدم من صندوق النقد الدولي. من بين الإجراءات المقترحة تشمل فرض زيادات في الضرائب وإصلاحات في شركات القطاع العام.
في السنوات الأخيرة، كانت الطبقة الوسطى في باكستان تعتبر نسبياً مزدهرة، وقد تم تقدير أنها تمثل حوالي 40% من السكان وذلك خلال فترة نادرة من الاستقرار في عام 2017.
ومع ذلك، تشير البيانات الرسمية لعام 2019 إلى أن حوالي 30% من الباكستانيين يمتلكون دخلاً يتجاوز 10 دولارات يوميًا، وهو معيار يُستخدم لتحديد الانتماء إلى الطبقة المتوسطة العالمية والتي تتمتع بمستوى معيشي مرتفع.
الطبقة الوسطى تكافح
ذكرت صحيفة أمريكية تصريحات جاويد غني، نائب مستشار جامعة الغزالي في كراتشي، الذي أجرى أبحاثًا حول الطبقة المتوسطة في باكستان، حيث أشار إلى تزايد تضرر الطبقة المتوسطة بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
وتعاني الأسر الكثيرة في باكستان، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 250 مليون نسمة، من صعوبات في الحفاظ على مكانتها في الطبقة المتوسطة بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وفقًا لتقرير توجهات المستهلك الذي أصدرته مجموعة أبحاث السوق “إبسوس”، الذي أظهر أن نسبة قليلة جدًا من الباكستانيين يرون أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح.
ووفقًا للصحيفة، فقد تدهور وضع الأسر التي لم تعد فقيرة، ولكنها لم تصل بعد إلى مستوى الطبقة المتوسطة، حيث تجاوز عدد الأشخاص الذين سقطوا في فخ الفقر في السنة المالية الباكستانية التي انتهت في يونيو/حزيران الماضي الـ12 مليون شخص، وذلك وفقًا لتقديرات البنك الدولي، والتي تقيس الفقر بمعيار الدخل اليومي (3.65 دولار في اليوم). وتعكس هذه الأرقام أيضًا تأثير الفيضانات المدمرة في عام 2022.
يعتبر إصلاح الاقتصاد المتدهور أولوية للحكومة الجديدة التي يرأسها رئيس الوزراء شهباز شريف، الذي تولى منصبه هذا الشهر بعد اتهامات المرشحين السياسيين ومراقبي المجتمع المدني للانتخابات بالتزوير. وقد توقف النمو الاقتصادي وارتفع متوسط معدل التضخم إلى ما يقرب من 30% في السنة المالية الحالية في باكستان، كما أن الديون تتزايد.
وفي ظل الضغوط الاقتصادية الشديدة التي تواجهها البلاد، تم تعيين محمد أورنغزيب وزيرًا للمالية، وهو شخصية غير منتمية إلى أي حزب سياسي، وصرح شريف في أول اجتماع لمجلس الوزراء بأنهم بحاجة إلى إجراءات حاسمة، ولا يمكنهم الاكتفاء بالحلول المؤقتة.
ومن جانبه، دعا إعجاز نبي، المدير التنفيذي لاتحاد أبحاث سياسات التنمية، الحكومة إلى التركيز على مكافحة التضخم وخفض العجز، مشيرًا إلى أن النمو الاقتصادي الحقيقي، بعد إضافة الزيادات السكانية، قد يكون سالبًا.
تفرض برامج صندوق النقد الدولي تحديات اقتصادية صعبة، ورغم محاولات الإدارات السابقة في باكستان لتنفيذها، واجهت معارضة شديدة من الشعب. وتحت رئاسة شريف، الذي يقود حكومة ائتلافية “هشة”، يواجه الآن معارضة ضخمة وغاضبة، مما يجعل تبني هذه البرامج أمرًا أكثر صعوبة هذه المرة. وقد دفع صندوق النقد بالفعل الحكومة إلى زيادة الضرائب وخفض الدعم عن المرافق والوقود.
ارتفعت فواتير الكهرباء في الصيف، وزادت فواتير الغاز الطبيعي – الذي يستخدم لتدفئة المنازل في الشتاء – بنسبة تزيد عن 900% في فبراير/شباط الماضي مقارنة بالعام السابق، ومن المقرر أن ترتفع الأسعار مجددًا في الأسابيع المقبلة.
في خطاب ألقاه في البرلمان في وقت سابق من هذا الشهر، اتهم زعيم كتلة المعارضة، عمر أيوب خان، رئيس الوزراء شريف بالغش، واعتبره غير مؤهلًا لتنفيذ إصلاحات أو فرض ضرائب جديدة. وادعى مرشحون سياسيون مرتبطون بزعيم المعارضة عمران خان أنهم كانوا سيفوزون بالأغلبية في البرلمان لولا التزوير في الانتخابات، بينما تنفي السلطات الباكستانية هذه الادعاءات.
حث حزب خان صندوق النقد على ربط الإقراض المستقبلي بمراجعة مستقلة لنتائج الانتخابات، لكن الصندوق الذي يعمل بالفعل مع الحكومة الجديدة، أكد على ضرورة أن تعمل السلطات على إيجاد حلول سلمية للنزاعات الانتخابية.