من الأصالة الفلسفية إلى المرابطة الفكرية طه عبد الرحمن بين إسطنبول وقلب الأناضول
أفاد المفكر المغربي طه عبد الرحمن، في تصريح يوم الخميس، بأنه تناول السيرة النبوية من منظور فلسفي في كتابه الجديد بعنوان “فلسفة السيرة: الأساس الأخلاقي”. جاء ذلك خلال برنامج حواري نُظم في مكتبة الأمة بالعاصمة التركية أنقرة، حيث تحدث عبد الرحمن عن مؤلفه الجديد.
في 22 يوليو/تموز الماضي، وصل الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن إلى إسطنبول برفقة زوجته السيدة نعيمة، أستاذة علم التاريخ، تلبية لدعوة معهد التفكر الإسلامي (İDE) برئاسة البروفسور محمد غورماز، الذي استقبله هناك. وقد بدأت جولته العلمية في تركيا التي استمرت أسبوعًا.
طوّر طه عبد الرحمن، أستاذ فلسفة اللغة والمنطق، منهجًا فلسفيًا خاصًا به أصبح يُعرف بفلسفته الجديدة. في مشروعه الفكري الذي بدأه قبل أكثر من نصف قرن، انتبه طه إلى مشكلتين في الخطاب الفلسفي الإسلامي القديم والحديث: آفة البيان وآفة الإيمان.
يشير طه إلى أن الآفة البيانية تعني تعطيل قدرة الأمة على التعبير الفلسفي الصحيح، مما يضر بالعقلانية والتفكير. ويدعو إلى بناء فلسفة “تداولية” تستوعب وتستفيد من الفكر العربي والإسلامي. في هذا السياق، قدم طه عبد الرحمن رؤيته للفلسفة الإسلامية المعاصرة في محاضرة بعنوان “كيف نؤسس فلسفة إسلامية أصيلة” في مركز البحوث الإسلامية (İSAM) في إسطنبول بتاريخ 23 يوليو/تموز.
أما بالنسبة للآفة الإيمانية، فقد لاحظ طه أن المعاني الإيمانية لم تعد توجه الفكر الفلسفي كما ينبغي. وقد قدم فلسفة جديدة تحت مسمى “الفلسفة الائتمانية”، التي تناولها في كتب مثل “روح الدين” و”ثغور المرابطة” و”دين الحياء” و”التأسيس الائتماني لعلم المقاصد”.
في محاضرته، أكد طه أن الفلسفة الإسلامية الأصيلة هي التي تخرج الإنسان من انحدار يتسبب فيه انفصال العلم عن الحكمة وتجريد المعرفة من القيم. وقد ألقى محاضرة في أنقرة تحت عنوان “الفرق بين التفكير والتفكر”، حيث تناول الفرق بين المفهومين وأكد أن التفكر هو مستوى أعمق من التفكير، ويتطلب ارتباطًا فعليًا بالحياة.
استعرض طه عبد الرحمن أيضًا في حديثه عن “الشر المطلق”، بناءً على مفهومه الخاص بالشر في الإسلام، مقارنًا بينه وبين مفاهيم الفلاسفة الآخرين مثل “الشر الجذري” عند كانط و”الشر المبتذل” عند حنة آرنت. أكد طه أن الشر المطلق هو ما ينافي الكمال الإلهي، ويجب أن يُفهم في إطار ديني متصل بالكمالات الإلهية.
كان حضور طه عبد الرحمن في تركيا محل ترحيب واسع، حيث شهدت محاضراته إقبالاً كبيرًا وتفاعلًا ملحوظًا من قبل الحضور. وقد تم تكريمه ثلاث مرات خلال زيارته، بما في ذلك جائزة المتفكر السنوية من معهد التفكر الإسلامي، وجائزة من سفير توران مستشار رئيس الجمهورية، واستقبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قصره الرئاسي.
ختامًا، عادت طه عبد الرحمن إلى المغرب في 27 يوليو/تموز، بعد أن ساهمت زيارته في تنشيط الحركة الفكرية في تركيا والعالم الإسلامي، حيث قدم فلسفته الأخلاقية من خلال التفاعل المباشر مع جمهوره.