مداخلة النائب العيد ولد محمدن أمام الوزير الأول : تشخيص للأزمة أم تصعيد للخطاب السياسي؟

في مداخلته الأخيرة، شن النائب البرلماني العيد ولد محمدن هجومًا لاذعًا على الحكومة الموريتانية، ممثلة في الوزير الأول المختار ولد اجاي، وقدم رؤية نقدية حادة حول مشاريع الحكومة، متهماً إياها بالتأخر والتكرار، وبالعجز عن محاسبة المتورطين في الفساد، كما اعتبر أن محاولات تسويق إنجازات السلطة الحالية لن تجدي نفعًا أمام سجلها السابق.
1. فشل المشاريع.. غياب المحاسبة أم خلل بنيوي؟
أحد أبرز محاور حديثه كان اتهام الحكومة بإعادة تمويل مشاريع متعثرة دون محاسبة المسؤولين عن فشلها، مع غياب أي استرداد للأموال المنهوبة. هذا الطرح يثير تساؤلات جدية حول مدى قدرة المؤسسات الرقابية على فرض الانضباط المالي، ومدى استقلاليتها في مواجهة قضايا الفساد التي يلمّح إليها النائب. فهل نحن أمام مشكلة فساد إداري أم ضعف في تنفيذ السياسات العامة؟
2. أزمة الثقة: الحكومة والموالاة في موقف دفاعي
أكد ولد محمدن أن نواب الموالاة لن يتمكنوا من تسويق برنامج الحكومة، في إشارة إلى فقدان الثقة الشعبية في قدرة السلطة التنفيذية على تحقيق وعودها. هذه النقطة تعكس أزمة سياسية أعمق، حيث تواجه الحكومات في موريتانيا تحديًا مزدوجًا يتمثل في إقناع الرأي العام بإصلاحاتها، وإقناع نوابها بجدوى الدفاع عن سياساتها، خاصة عندما تكون بعض الوجوه السياسية قد شغلت مناصب سابقة دون تحقيق نتائج تُذكر.
3. الشعوبية.. تكتيك سياسي أم فشل مؤسسي؟
أحد أكثر الأجزاء إثارة في خطابه كان هجومه على إرسال بعثات وزارية إلى الداخل لإنجاز خطط تنموية، معتبرًا ذلك “قمة الشعوبية”، ومشككًا في قدرة هذه اللجان الوزارية على تحقيق ما فشلت فيه الإدارات المحلية. هذا الانتقاد يطرح إشكالية أكبر: هل تعتمد الحكومة على هذه المبادرات لخلق انطباع بوجود حلول، أم أنها تعكس فشل البنية المؤسسية المحلية؟ إذا كانت السلطات الجهوية من ولاة وحكام عاجزة عن إنجاز التنمية، فهل يمكن لفريق وزاري عابر أن يحقق تغييرًا جذريًا في يومين؟
4. الحوار السياسي.. دروس الماضي ورفض “استغباء المعارضة”
رفض ولد محمدن بشدة إعادة سيناريو الحوار السياسي، واعتبر أن المعارضة لن تقبل بأن تكون جزءًا من مسرحية أخرى كما حدث في الماضي. هذه النقطة تسلط الضوء على إشكالية أخرى في المشهد السياسي الموريتاني، حيث تتكرر نفس السيناريوهات دون نتائج ملموسة، مما يعزز الشعور بعدم جدوى الحوارات التي تنتهي ببيانات رسمية دون التزامات حقيقية.
5. التمييز والتعيينات.. جدل مزمن في الإدارة الموريتانية
لم يكتفِ النائب بانتقاد السياسات العامة، بل تطرق أيضًا إلى آليات التعيين في الحكومة، مشيرًا إلى أن المناصب تُوزّع على أبناء الجنرالات والمشايخ التقليديين، مما يكرس التمييز ويعزز الإقصاء الاجتماعي. هذه النقطة تمس جوهر الجدل حول العدالة الاجتماعية في موريتانيا، وتعيد طرح التساؤل حول ما إذا كانت التعيينات في الوظائف العليا تتم على أساس الكفاءة أم الولاء والاعتبارات القبلية؟
خاتمة: هل يعكس الخطاب تحوّلاً في الديناميكية السياسية؟
خطاب العيد ولد محمدن ليس مجرد انتقاد للحكومة، بل يعكس تحولًا في طبيعة الخطاب السياسي في موريتانيا، حيث باتت المعارضة أكثر صراحة في مهاجمة أداء السلطة، وطرح قضايا تمس جوهر الحكم والعدالة الاجتماعية. لكن يبقى السؤال: هل ستترجم هذه الانتقادات إلى إصلاحات فعلية، أم أنها ستظل جزءًا من لعبة سياسية تتكرر مع كل دورة حكم جديدة؟