ثقافة

تأريخ الأحداث الكبرى في الشعر العربي الحديث: مرآة للواقع ومعاناة المجتمع

لطالما كان الشعر العربي عبر العصور شاهداً على الأحداث المهمة التي شكلت تاريخ الأمة وخلّدتها، ولاسيما في العصر الحديث منذ بداية القرن التاسع عشر، مع انطلاق حركات البعث والتجديد في الشعر العربي وتنوع مدارسه. فقد برزت المدرسة التقليدية بقيادة البارودي وأمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم، الذين دعوا إلى ضرورة إحياء الشعر العربي وتجديده.

كما ظهرت مدرسة الديوان التي سعَت إلى التجديد والشعر الرومانسي وتأثرت بالأدب الغربي، بزعامة العقاد والمازني وشكري، حيث انتقدوا أنصار المدرسة التقليدية لعدم انفتاحهم على معطيات العصر الحديث. من جهة أخرى، كانت المدرسة المهجرية بزعامة ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران تمثل الوجه الآخر لمدرسة الديوان في الغرب، في حين دعا مطران وأبولو إلى التجديد بعيداً عن صخب الخلافات. وقد تبنت العديد من الاتجاهات الشعر الحر وشعر التفعيلة وصولاً إلى قصيدة النثر.

ويبقى الشاعر، مهما كانت توجهاته، متأثراً ببيئته، مما يجعل الشعر مرآة تعكس آلام المجتمع وآماله، وتصف معاناتهم وأفراحهم. لا يقتصر توثيق الأحداث في الشعر على سرد الوقائع، بل يُقدّمها بشكل حيوي يحمل مشاعر قوية تؤثر في الجماهير. في هذا السياق، نستعرض بعض الأحداث الخالدة في الشعر العربي الحديث.

أحمد شوقي ورثاء سقوط أدرنة

أرخ الشاعر الكبير أحمد شوقي لسقوط مدينة أدرنة، التي كانت عاصمة للدولة العثمانية، حيث كانت محصنة بشكل كبير. في عام 1912، وخلال حرب البلقان الأولى، سقطت المدينة بعد حصار طويل، مما دفع شوقي للتعبير عن حزنه في قصيدته، مستذكراً تداعي المدن وهزائم المسلمين في الأندلس. يقول:

يا أُختَ أَندَلُسٍ عَلَيكِ سَلام
هَوَتِ الخِلافَةُ عَنكِ وَالإِسلامُ

ثم يستمر في التأمل في حال المدينة وأهلها، سائلاً إياهم الصبر:

صَبرا أَدِرنَةُ كُلُّ مُلكٍ زائِلٌ
يَوما وَيَبقى المالِكُ العَلّامُ

تأريخ سقوط الخلافة شعرا

وعندما سقطت الخلافة العثمانية، رثى أحمد شوقي هذا الحدث الحزين، معبراً عن مشاعر الفقد والأسى على دولة الإسلام المتفككة، مشبهاً الخلافة بالعروس التي تحوّل زفافها إلى مأتم. يقول:

عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ
وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ

مذبحة دنشواي

في قرية دنشواي بمصر، وقعت مجزرة مروعة على أيدي الإنكليز. وقعت الحادثة أثناء قيام ضباط إنكليز بالصيد، مما أدى إلى قتل امرأة مصرية خطأ. أدت الواقعة إلى ثورة الأهالي، لكن القوات البريطانية ردت بإطلاق النار. وفي المحاكمة الشهيرة، أُعدم عدد من الأهالي بطرق مروعة.

شعراء مصر الكبار وصفوا تلك الأحداث الأليمة، ومنهم حافظ إبراهيم الذي عبر عن فداحة ما حدث قائلاً:

أَيُّها القائِمونَ بِالأَمرِ فينا
هَل نَسَيتُم وَلاءَنا وَالوِداد…

بهذه الطريقة، يظل الشعر العربي مرآة تعكس الهموم والتحديات التي تواجه المجتمع، وتخلد الأحداث التاريخية بعبارات تعبر عن عمق المشاعر والأحاسيس.

زر الذهاب إلى الأعلى